فاطمة الحارثية
"لا يستطيع المحارب القتال دون الشعور بالإلهام أو الإيمان بالقضية" روبرت غرين.
لم يعد ثمة متسع للجدال أو الانتباه للصوت العال، الحياة لم تقف بعد الاستيقاظ من كابوس كوفيد-19، بل أصبحت أكثر شراسة، ولم يعد لصغار العقول مكانا للبقاء، ولا للسلبية حوار يصنع مواضيع يمكن مناقشتها، فنحن في صراع ليس عالميا فقط، بل وطنيا، ولعبة توازن القوى مقابل لعبة الاستحواذ على القوى، اختلت قواعده، بعد أن كشرت بعض الدول عن أنيابها ومحاولة البعض الآخر استخدام الشراسة كحل من أجل البقاء. عُمان لم تعد تحتمل السلبيين والمتذمرين، ومن يختلقون العقد في الحلول ويُجهضون المحاولات، من أجل الخروج من لعبة المصالح والقوة التي تمارسها الدول.
رغم تكالب الشدائد على الناس كافة حول العالم، من أوبئة وأنواء وجفاف، وقرصنة ونقص في الغذاء والمعاش وعجز في التجارة وحروب دامية، مازلنا أحياء على الأرض، إذا لابد أن نتسمر برغم الإرهاق الذين نشعر به، والذي أثر علينا جميعا، وتلك الأزمات لم تكن لتصنع بشرا سلبيا متشائما، بل أنفسا يملؤها الأمل والقوة والرغبة في العيش، وتقدير النعم وحفظ المنجزات، نحتاج الفهم والتفاهم لا النقد والتشاؤم، نحتاج دقة التنفيذ وليس الالتهاء بآراء محدودي الفكر، وأصحاب الرؤية الواحدة. لن تنهض أو تكسب حربا إن لم تحارب نفسك أولا، وتقاوم اندفاعاتك نحو التبعية والميل إلى آراء مجموعات متأثرة تتبع بعضها البعض دون تميز. الخوف مُعدٍ، لكنه دائما بدون مبرر، وليس بشيء مادي بالتالي يُمكننا السيطرة عليه بدل العمل على انتشاره وزعزعت الاستقرار، أو تدمير الحلول التي بها نخرج من الإرهاق الاقتصادي والاجتماعي والغذائي.
إن المصير مشترك، وعلى أرض واحدة نعيش وإن تجاوز عددنا كأصحاب الأرض أكثر من النصف بقليل، يبقى عدد لا يُستهان به يُهيمن على غذائنا واقتصادنا ويُرهقونا دون أن نلتفت إلى ذلك، سواء كان الإرهاق اقتصاديا أو اجتماعيا أو غذائيا، وإن لم نوجد تنظيما وتخطيطا مُتقن وإذا ما تفاقم وضع معمعة الحروب الاقتصادية الدولية وقراصنتها وحرب الأرواح، فإن الأجانب لن يكونوا إلا عبئا على أرضنا وخطرا داخليا، فالكل يُصارع من أجل البقاء والعيش، أضف إلى ذلك ما يتحمله المواطن من مصروفات وضرائب ورسوم ودخل محدود، وغيرها مما عُفي عنه الأجانب -إن صح أننا نواجه ناقوس خطر- فالتخطيط الوقائي خير من خسائر لن تكون هينة، وعلينا أن لا نُسلم زمام عقولنا للوسائط ومنصات التواصل الاجتماعي دون وعي أو بصيرة. أقوال وغمغمة كثيرة تتزاحم علينا منها ذات نفع مؤقت، ومنها ذات أثر طويل، وتفسيرها يحتمل الكثير، وإن بحثنا عن الخير ووازناه بالآثار الجانبية، لن نُقدر العمر الافتراضي لبقاء فعالية تلك الأفكار والأقوال، وما يُمكن أن يُعزز المخرجات المتوقعة. النوائب تبقى كجزء أساسي في الحياة، والقرار بيدنا: إما أن نبكيها، أو نستفيد منها ونُخرج الخير.
الاحتمالات ليست ركيزة للحياة ولا صانعا جيدا لها، ولا سببا لامضي أو الوقوف أو التراجع، بل العمل الجاد، والتنفيذ المُتقن للخطط والاستراتيجيات، فحين نطلب من الناس أن تبدأ نشاط الاكتفاء الذاتي علينا أن نعلمهم كيف يفعلون ذلك، فجيل الآباء قد غرب شمسه ولم يُورثوا أبناء المدارس شيئا؛ كيف يزرع ويُربي الحيوانات ويُوازن بين نشاطه العملي، وغيرها من الأعمال التي يكون تعلّمها تحضيرا جيدا لغد أفضل، وأكثر سلاما، كتحويل مساحات منزل إلى مصدر غذاء متوازن وصحي، وكيفية تحويل بقايا الطعام إلى سماد؛ أي إعادة التدوير، ثمة الكثير النافع الذي لا نتعلمه في المدارس لكنها أساسيات هامة تأتي بالخير والنفع الخاص والعام.
بالتجربة ومحاولة الإصغاء الجيد لما نستقبله كل يوم من حولنا، نستطيع أن نضع بصمة جميلة ومفيدة. في أحيان كثيرة نشهد موقفا أو وضعا ما أمامنا، ونتجاوزه دون التمعن فيه بمعتقد أنه لا يعنينا، أن تكون حاضرا وسامعا ومبصرا لتلك المواقف بحد ذاته هي رسالة ودرس مجاني تُقدمه لك الحياة، فاستفد منها ولا تتجاهل.
سمو...
حفظ الله عُمان وأهل عُمان، من كل سوء، وبارك لنا في سعينا وإيماننا وسلامنا؛ نحن لك يا أرض السلام في سرائنا ونوائبنا وسعادتنا وسلامنا باقون.