حمد بن سالم العلوي
حكى لي أحد الأصدقاء قصة هروب عامل، فقال: ذهبت ذات مرة (قبل سنوات) إلى اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان -وبيدي مقترح بشأن حل مشكلة هروب العمال، وعلى وجه الخصوص هروب عاملات المنازل- فقيل له اترك هذا المقترح معنا، وتقدم بنسخة أخرى مباشرة إلى وزارة العمل، ثم طلبت مقابلة معالي الوزير وحالفني التوفيق في مقابلته، وأظهر -معاليه- اهتمامًا واضحًا بالموضوع، حتى أنه كلف أحد الموظفين بطلب نسخة إلكترونية من المقترح، فسررت لقبول المقترح، وأن هناك اهتمامًا بالموضوع من قبل الوزارة، وأن المسألة في طريقها إلى الحل.
يضيف الصديق صاحب الاقتراح: ظللتُ أنتظر إصدار قرار من معاليه بحل مشكلة المسؤولية التي تحمّل الكفيل وحده دون سواه عن هروب العمال، ولكن لا شيء على العامل الهارب أو العاملة، وقد طال الانتظار، والتقيت معاليه بمحض الصدفة، وسألته عن مصير المقترح، فقال: مقترح جيد وسنُدخل بعض النقاط منه في قانون العمل الجديد، وبالطبع القانون الجديد لم يخرج إلى حيز الوجود لحد الآن، وغير معروف محتواه ومتكتم عليه، ولم يعرض على مجلس الشورى لمناقشته كما يُفترض.
ذهب الوزير وأتى آخر، وظل المقترح مجرد مقترح، وكان يحمل بين ثناياه "عقد العمل" وهو بين العامل والجهة التي يعمل فيها، ولكن فوجئنا أواخر العام الماضي بتفعيل عقد العمل وحده، ربما لاختلاق رسوم جديدة، لكنه ظهر كمجرد عقد شكلي تستفيد منه وزارة العمل بالرسوم، وكذلك مكاتب سند؛ فيدفع المواطن ما جملته 3 ريالات عن كل شخص، وهذا المبلغ المضروب في عدد الوافدين في السلطنة، أي ملايين الريالات ستنتقل خلال عامين -وهي مدة الإقامة- من جيب المواطن إلى الوزارة ومكاتب سند.
لكن إذا هرب العامل أو العاملة، فإن الوزارة لا تعتد بهذا العقد، وتعيدك إلى فترة "حكم قرقوش" سيئ الصيت والسمعة، فعلى المواطن أو صاحب العمل، أن يقوم بنفس الإجراءات القديمة، وهي الإبلاغ عن طريق مكاتب سند، مع فارق عدم طلب النشر في الصحف فربما خشية التشهير بالعامل الهارب أو العاملة، فإذا تفضّل عليك الموظف الذي يجلس خلف الكمبيوتر وقبِلَ البلاغ، فأنت تكون سعيدًا جدًا، وهنا يتوجب عليك دفع قيمة التذكرة التي يقررها الكمبيوتر كذلك، أما إذا استخدم الموظف سلطته، ورفض الطلب لشكه أن العامل الهارب لم يستلم حقوقه كاملة، وكأنَّ المشكلة فقط في حقوق العامل، وليست في فعل الهروب، وحقوق صاحب العمل، فسوف يُنصِّب هذا الموظف نفسه محاميًا نيابة عن العامل الهارب أو العاملة، وسيطلب من الكفيل أن يوقع تعهدا بدفع ما يدعيه الهارب، ولو بعد زمن طويل، وإن رفضت هذا الإجراء المُجحف، والذي يغفل وجود محاكم في البلاد، وهي التي تبت في التخاصم بين المتخاصمين، وليس موظف وزارة العمل، فإن الطلب سيُرفض، وسيترتب على الكفيل غرامات التأخير في الإبلاغ.. والله إنه لأمر عجيب حقًا؟!!
فيقول هذا الراوي إنه رفض التوقيع على أي تعهد بحقوق العامل الهارب، وإنه لديه ما يثبت أنه كان يستلم حقوقه مع نهاية كل شهر، وهو الذي أخلّ بالعقد نتيجة الهروب، وقد ألحق ضررًا ماديًا كبيرًا بصاحب العمل، ولو أنَّ العامل قد وقع عليه أي ظلم لما انتظر مدة سنتين، وذلك دون أن يتقدم بشكوى إلى الجهات المسؤولة في البلاد.. فما لكم كيف تحكمون؟! ويقول ذهبت بطلب مقابلة أحد المسؤولين في الوزارة، وأخذ طلب المقابلة أكثر من شهرين، ولم أستطع مقابلة المسؤول الذي حددته في رسالتي، ولكن قابلت منسق مكتبه، فاقتنع بكلامي، وطلب من الجهة المسؤولة تقبل البلاغ، فقدّمت البلاغ وأخذوا الرسوم، وقيمة التذكرة للعامل الهارب، وذهبت منهم على أنني أنهيت مشكلة البلاغ.
ويتابع القول: وبعد فترة عشرة أيام أتته رسالة تطلب منه مراجعة مكتب سند، فعندما حضر إلى مكتب سند طُلب منه دفع غرامة تأخير البلاغ، فيقول رفضت ذلك، فذهبت مرة ثانية للاحتجاج؛ لأنه عندما قدَّم البلاغ في المرة الأولى لم تكن الإقامة منتهية، فقيل له عليك أن تخاطب الدائرة القانونية في الوزارة، وترفق كل الأوراق بالتظلم، فلعلها توافق أن تعفيك من الغرامة.. وإلى الآن قضيت أكثر من 6 أشهر في الانتظار، ولم تنحلّ مشكلة البلاغ في عامل واحد.. فكيف سيكون الحال لو كان هناك 10 عمال هاربين؟!
ويقول في مرة سابقة: بلّغت عن عامل هارب، وكان البلاغ- بحمد الله مقبولًا- في تلك المرة، وبعد مضيّ سنة ونيف علمت من أحد الموظفين عندي أنَّ عاملنا الهارب موجود في حارة مجاورة، ويعمل في مهنة تتعلق بعمل المطاعم، فأبلغت أحد المسؤولين في وزارة العمل، فوعد بعمل اللازم، ولكن هذا اللازم لم ينجز حتى الآن.
ولدي أنا وصديقي قصص كثيرة عن العمال، ولكن الذي سردته لكم اليوم قصة واحدة فقط، وذلك حتى تعرفوا أن حقوق المواطن أو رب العمل، ليست له قيمة في وزارة العمل، وأن ما عليك من رسوم لهذه الوزارة، ستدفعه في التو واللحظة، أما حقك لدى الوافدين فاسأل عنه يوم القيامة، وكذلك حقك عند وزارة العمل فحسابه يوم القيامة- بإذن الله- ولا أعتقد أن هناك مواطنًا واحدًا ليس له مظلمة مع هذه الوزارة، فيا ترى كم ستقفون من ساعات يوم القيامة لرد مظالم الناس؟! وطبعًا سيكون السؤال لكم بصفتكم الشخصية، وليس بالمناصب والرتب.
وهناك بقية لقصص العمال والكفلاء، في مقالات قادمة، وأنا أعرف أن الكثيرين غيري كتبوا عن هذا الموضوع- ويا سبحان الله- فإن حالة المسؤولين مستمرة، والتطنيش سيد الموقف.. فيا ترى هل المطلوب من الكفلاء اللجوء إلى القضاء بعد نفاد الصبر؟!