د. خالد بن علي الخوالدي
تسعى الحكومة بمؤسساتها المعنية والمختصة إلى تحقيق الأمن الغذائي من خلال الاستثمار في المجالات الزراعية والحيوانية والسمكية والصناعية المعتمدة على كل ذلك، كما اتجهت البوصلة إلى إشراك المواطن في تحقيق هذه الغاية من خلال تخصيص أراضٍ للانتفاع وإقامة مشاريع زراعية وحيوانية واستزراع سمكي وغيرها ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
لقد مرَّ هذا الموضوع بإشكاليات متعددة بعضها حكومي وبعضها من قبل بعض المستثمرين، الذين كانت لهم أهداف أخرى يرغبون في تحقيقها بعيدًا عن الأمن الغذائي والزراعي للأسف الشديد. ولقد خصصت الحكومة أراضي استثمارية للمجال الزراعي في سنوات سابقة، ومنعت هؤلاء المستثمرين من حفر آبار داخل حدود هذه المزارع، فكيف سيزرع المزارع إذا كان الماء- وهو أساس الحياة- غير متوفر وبعد أخذ وجذب ومعاناة تم طرح استخراج ترخيص لحفر بئر. وإذا كانت المؤسسات المعنية استطاعت معالجة المشكل الذي وقعت به إلا أنها ظلت عاجزة أمام المماطلة والتجاوزات التي قام ويقوم بها المستثمرون المنتفعون بحق الأراضي الزراعية، ناهيك عن تأخرهم عن دفع قيمة هذا الانتفاع والذي يُعد زهيدًا جدًا.
وقد طرحتُ موضوع الانتفاع من الأراضي الزراعية للنقاش وجاءت الردود صادمة وغير متوقعة؛ حيث تمت الإشارة إلى أن عددًا من المنتفعين بالأراضي الزراعية له أهداف بعيدة المدى منها امتلاك هذه الأرض بعد مضي عدد من السنوات، وأن عددًا ممن تم منحه هذه الأراضي قام ببناء وحدات سكنية له ولعائلته داخل هذه الأراضي، والبعض قام ببناء استراحات والبعض الآخر تركها بيضاء بدون تعمير، لعله يجد من هنا وهنا شخصية تتدخل ويتم منحه هذه الأرض الغالية الثمن دون تعب ولا جهد ولا مشقة! وهناك من باع هذه الأرض المنتفع بها إلى منتفع آخر مقابل مبلغ معين، وهذا الآخر الذي ملك من هذه الكعكة سيحاول جاهدًا امتلاكها، وقال قائل: بعض أراضي الانتفاع بقدرة قادر تم تملكها وتحويلها إلى ملك شخصي بدلا من الانتفاع!
هذا ما تم تداوله في الرد على موضوع النقاش وإذا أقرت أي مؤسسة حكومية بأن هذا الكلام غير صحيح وغير واقعي فعليها أن تثبت لنا وبالأرقام عدد الأراضي الاستثمارية الموزعة بحق الانتفاع وعدد المردود الزراعي والحيواني لكل أرض من هذه الأراضي. إننا لا ننفي أن هناك من عمل واجتهد وحاول تحقيق الاستفادة من هذه الأرض، لكن كم النسبة المئوية التي تحققت لنا كوطن وكمستهلكين في هذا الوطن من هذه الأراضي وهل ساهمت منتجات هذه المزارع في تحقيق الأمن الغذائي المحلي على أقل تقدير من المنتجات المحلية وما هو الفارق الذي تحقق بعيدا عن ما كان يتحقق بوجود المزارع القائمة السابقة.
إننا نطالب الجهات المختصة بمتابعة جميع المزارع التي منحت بحق الانتفاع وإيجاد قاعدة بيانات واضحة وحقيقية تبين نوع المحاصيل المزروعة وكميات الإنتاج وأماكن بيعها وتصريفها، ومعالجة الإشكال المتعلق بمواعيد الزراعة الصحيحة ومكافحة الحشرات الزراعية وغيرها، وما نطمح إليه أن تكون مزارع الانتفاع الزراعي بمثابة محطات بحثية ونموذجا وطنيا للإنتاج الزراعي المكثف وفق روزنامة زراعية معتمدة من الجهات المختصة، فوجود قاعدة بيانات لكل مزرعة سوف يساهم في الرفد الغذائي الذي نتطلع إليه، وتقدم مؤشرا لانخفاض أو زيادة الاستيراد لمختلف المحاصيل التي توفرها محلات الهايبر ماركت والأسواق المحلية، ومن خلال هذه المزارع النموذجية التي منحت بالانتفاع نستطيع متابعة كميات المبيدات المستهلكة في زراعة المحاصيل والبحث عن البدائل البيولوجية لمكافحة الآفات الزراعية وإنتاج فواكه وخضروات خالية من المبيدات الزراعية، ونتمنى أن تقدم الجهة المختصة إحصائيات مبشرة لمنتجات هذه الأراضي ومساهمتها الحقيقية في الحد من استيراد الكثير من المحاصيل التي يمكن أن تنتج محليا.
نطرح هذا الموضوع ليس حسدًا على استحقاق البعض لهذه المنح، ولكن نطرحه غيرةً على هذا الوطن الذي ينتظر من أبنائه أن يكونوا شركاء في التنمية، وأن يسعوا جميعًا مع المؤسسات المعنية إلى تحقيق الأمن الغذائي الوطني المنشود خاصة مع ما نعيشه من أزمات غذائية عالمية نتيجة الحروب والجفاف وانتشار الفيروسات، وعلى الجهات الحكومية إذا ثبت لديها ما تم تداوله أن تقرر عدم فتح المجال لمثل هؤلاء في تملك أي أرض مهما كانت الأسباب؛ فالأراضي الزراعية هي ثروة وطنية خالصة إما أن يستثمروها الاستثمار الصحيح أو تنزع منهم انتزاعًا، وجعلها تحت مسؤولية من يستطيع زراعتها واستثمارها الاستثمار الصحيح النافع لهم وللبلاد والعباد، فهذه الأراضي هي الأمل الحقيقي لتشغيل أبنائنا الباحثين عن عمل؛ فالقطاع الزراعي يستوعب الكثير من سواعد الشباب الجاهزة والمهيأة للعمل، ودمتم ودامت عمان بخير.