إسماعيل بن شهاب البلوشي
عندما يكون للرؤى الإستراتيجية البعيدة مكانًا، وعندما يتحدث أصحاب التجارب في الأحداث العالمية وسبل القوة وديمومة الاستمرار في حياة طيبة وآمنة، فإن أفضل ما نستمع إليه هو ذلك الربط بين المستقبل والأدوات المناسبة للتعامل مع إيقاع العصر والتي أهمها تلك الرؤية والدراسات المرتبطة بالتكامل.
وهذا لا يعني وعلى الإطلاق أنه أمر محدد؛ بل إن التكامل يُمكن أن يكون في كل المجالات وأهمها الاقتصادي، لأن على الاقتصاد تُبنى طموحات الأمم كافة. فالبنوك مثلًا تتحد لتكون رأس مال أقوى، وكذلك فإن الشركات وعندما تندمج تكّون قاعدة صلبة وتأخذ حصة أكبر في الأسواق المحلية والعالمية، وهذا يُنظر إليه داخليًا بهدف تقوية تلك المؤسسات وتعزيز تنافسيتها وقدرتها على مواجهة التقلبات والأحداث، فإذا كان هذا الأمر مهمًا على المستويات الصغيرة، فماذا يعني ذلك على مستوى الدول؟!
إذا كانت سلطنة عُمان ودولة الإمارات تحملان عمقًا تاريخيًا من الإخاء والتقارب الفكري والمجتمعي وحتى القبلي، فإنهما بكل ما تملكان من اقتصاد وقوة وإنسان، يمثلان عمقًا استراتيجيًا لبعضهما البعض، وأن التاريخ الموثق في كل المراجع ذكر مواقف يُستدل المتتبع للتاريخ منها أن البلدين كانا لا يسمحان وبأي ثمن أن تضام أوطانهما، وكانوا جميعًا غطاءً منيعًا في حماية الأوطان.
فعندما يقرر اليوم أحد منا الذهاب إلى دولة الإمارات، فإنه يذكر المدينة في قرار وجهته وكذلك الأهل في دولة الإمارات ولا تجد أحدًا يفكر في تغيير عمله أو حتى بعضًا منا في حجز لمبيت وهذا الشعور الأخوي لا يوجد فيما بين دول العالم، ولذلك فإني أرى للتكامل الاقتصادي فيما بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات مكانًا يجب أن يكون أعلى بكثير مما هو عليه اليوم مع وجوده طبعًا غير أني أتحدث برؤية عالمية أبعد وأقرب مثالًا على ذلك السياحة، فماذا لو تم عرض ما تملك عُمان والإمارات من برامج سياحية متكاملة ومتباينة ومقومات مادية وغير مادية، وأن يكون تفكير السائح على المستوى العالمي بما يكلفه في زيارته للمنطقة بتذكرة واحدةً وبتنسيق مركزي عُماني إماراتي وتأشيرة واحدة ويتم عمل برنامج يجمع كل النشاطات والمقومات الوطنية في كلتا الدولتين ببرنامج متكامل يكون خيارًا لا يمكن لأي سائح عالمي تجاوزه، وبذلك يتم تأسيس برامج وطنية تجعل من رفد الأوطان بما تحتاج من سيولة مالية تساهم في خروج دول المنطقة من رؤية الدول المعتمدة على النفط، وجميعنا يعي وبكل المسؤولية ماذا كان حال المنطقة قبل النفط، وماذا يمكن أن تكون بعده وكذلك التقلبات السياسية الخطيرة على مستوى العالم وتسابق الدول على الاستغناء عن النفط. وإذا تم بناء برامج وأفكار بديلة وبأسرع ما يمكن، فإنَّ هذا الأمر سيفتح آفاقًا رحبة للمواطنين في تنمية الأنشطة المختلفة، مما يفتح مجالًا رحبًا لتشغيل المواطنين وتطوير مواهبهم ومؤسساتهم ويجعل ضمان العمل والحياة في صورة أفضل وأكثر رحابة.
وأخيرًا.. وعلى الرغم من وجود الكثير من تبادل المصالح بين عُمان والإمارات غير أن الأمر يمكن أن يكون أكبر بكثير جدًا من خلال رفع سقف الطموح والنظر إلى التحديات الوجودية وجعل المصالح الاقتصادية للوطنين أعلى بكثير وهذا الجانب إذا تم على أيدي خبراء ومختصين سيجعل أيضًا من الأخوة والوئام بين مواطني الدولتين شعورًا أكثر إيجابًا وبُعدًا ويكون مبنيًا على تكامل المصالح وانعكساتها الإيجابية على الوطنين الشقيقين.