د. يوسف بن حمد البلوشي
تتمحور التوجُّهات الاستراتيجية لـ"رؤية عُمان 2040" على تحوُّل هيكلي، وصولًا إلى الاقتصاد المعرفي (القائم على المعرفة)، والذي يهتم بحجم المُحتوى المعرفي في مُختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن أنه يشمل استخدام التراكم المعرفي وتسخيره لإنتاج مُنتجات جديدة وتقنيات مُتطورة
ومن المعلوم أن التحول إلى الاقتصاد المعرفي، يتطلب العمل على احداث تغيرات مهمة في بيئة الاعمال منها تلك التغيير المرتبطة بتركيبة وهيكل العمالة إلى عمالة ماهرة (تشير الإحصاءات الى ان سوق العمل لا تزال يسودة بنسبة ما يزيد عن 90% ممن يحملون مؤهلات ثانويه عامة ومادون وعدم امتلاكهم للمعرفة والابتكار المطلوب)، والإنفاق من غير شُح على التدريب والتأهيل، وأنشطة البحث والتطوير، وصولًا إلى مُنتجات ذات مُحتوى معرفي وتكنولوجي مُرتفع.
فتحقيق ما نصبو إليه من تحولات ونقلات نوعية للاقتصاد العُماني وتوفير فُرص عمل مُجزية للمواطنين لن يكون أمرا سهل المنال. ويتطلب النجاح في إدارة ملف القيمة المحلية المضافة، استيعاب عدد من المعطيات على المُستوى المحلي والعالمي، إذ أن عجلة الإنتاج المحلي وهذه "القيمة" لا تدور بدون مُحددات وعناصر إنتاج وأدوار واضحة.
الكثيرون يتفقون على أن الاقتصاد العماني يعاني من ضعف وضيق القاعدة الإنتاجية المحلية، والذي يُمثل في الواقع مُحصلة للعديد من التحديات والتراكمات، وأن أي مُعالجات لا بد أن تمس جميع عناصر الإنتاج الأربعة المعروفة بدون استثناء، والمُتمثلة في:
أولًا: رأس المال.. ويشمل ووضع بورصة مسقط، وصناديق الاستثمار الخاصة والعامة، والتمويل ودور البنوك في التنمية الاقتصادية، وغيره.
ثانيًا: استغلال ما تزخر به الأرض العُمانية من موارد وموقع جغرافي مُتميز، إذ أن درجة استغلال الموارد الطبيعية والبشرية والبُنية التحتية المحلية، إما أنها غير مُستغلة، أو مُستغلة بطريقة خاطئة أو بشكل جزئي.
ثالثًا: سوق العمل، ويشمل ثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر، والابتكار والمهارة وتعزيز التنافسية.
رابعًا: منظومة الإدارة الاقتصادية، والتي تشمل المعرفة الشمولية للمُتغيرات، وقاطرات التنمية، والقدرة على ربط نقاط القوة، والفُرص والموارد المُتاحة محليًا ودوليًا.
ومعلوم أن الماكينة الاقتصادية، التي تُنتج التنمية الشاملة (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية)، في سلطنة عمان وغيرها من الدول، تعمل من خلال هذه التروس الأربعة، وذلك بالتزامن لحاجتها إلى فهم عميق لشروط تحقيق التنمية، والقدرة على ربط علمي للمُتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الكُلية، من خلال فهم الحسابات الاقتصادية الكُلية، المُتمثلة في الميزانية العامة، وميزان المدفوعات، والحسابات القومية والنقود والبنوك، ما ينعكس إيجابًا على وضع سياسات عامة حازمة، وقادرة على إطلاق طاقات الأطراف الفاعلة في أي عملية تنموية.
ومن بين أسباب محدودية نجاح مساعي تعظيم القيمة المحلية المضافة، هو تطبيقها على نطاق ضيق، وفي قطاعات مُحددة، كقطاع النفط والغاز (يجب تعميمه على جميع القطاعات)، إضافة إلى أن القائمين على إدارة برامج تعظيم هذه "القيمة" مُثقلين بالعديد من الأعباء اليومية، والمهام الروتينية، ولا يملكون المعرفة الكافية والمهارات المطلوبة لتفعيلة ولماذا تضع الدول برامج القيمة المضافة المحلية في سلم اولوياتها، كما ان هناك نوع من التلكؤ النسبي في الاشراك الحقيقي للقطاع الخاص وتمكينه في رسم السياسات وتحديد الأولويات الوطنية؛ فالقطاع الخاص يعوَّل عليه الكثير في توليد فُرص عمل، والاستثمار، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، ورفد الميزانية، والحصول على مزيد من العملة الأجنبية من خلال تعزيز الصادرات وزيادة المكون التكنولوجي والقيمة المحلية المضافة.
وتجاهل القطاع الخاص يُمثل ناقوس خطر على تحقيق توجهات مُهمة لرؤية المستقبل، والتي تعتمد كثيرًا على القطاع الخاص، رغم أن الأخير يُعاني من تحديات مُتعددة الأبعاد، ومحدودية دور غرفة التجارة والصناعة، وتصدع العلاقة بين مجلس إدارتها والمُنتسبين إليها، وعدم قدرتها على اجتذاب كبار رجال الأعمال والمُستثمرين، كما أن مؤشرات بيئة الأعمال وزيادة الضبابية وعدم اليقين، فيما يتعلق بالسياسات والإجراءات، باتت تؤرق شركات الأعمال المحلية والأجنبية، على حد سواء، فهناك حاجة مُلحة لقراءة وفهم الإحصاءات في هذا الشأن.
ويتوجب أن نُقر بأن الحراك الاقتصادي المحلي ما زال دون الطموح، والخطوات بطيئة، وتوظيف الأدوات الاقتصادية مُقلٌ، خصوصًا أننا نتحدث عن بلد غني بالموارد الطبيعية، ومكانة رفيعة بين الأمم، وتاريخ ضارب في العُمق، وموقع جُغرافي مُتميز، وبلد بُنيته التحتية جاهزة، من الضروري الاستفادة منها قبل أن "تتقادم".
ولنجاح مساعي برنامج تعظيم القيمة المحلية المضافة، يجب أن يحظى برعاية خاصة، واتخاذ تدابير معينة لنجاحه، وحُسن تنظيم وإدارة حصيفة لبعض المُبادرات كالشراء التعاقدي، وتخصيص 10 بالمئة واكثر من المُناقصات للشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن ضرورة حماية المُنتجات المحلية من السلع والخدمات، وتعزيز تنافسيتها أمام مثيلاتها المُستوردة، فهذا الأمر مشروع في المُمارسات التجارية الدولية، وهُناك العديد من الوسائل والسياسات الضريبية وغير الضريبية القادرة على تحقيق هذا الهدف.
يتوجب على المعنيين لتحقيق الأهداف المنشودة، الإسراع في تأهيل الشركات المحلية، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، فنيًا وإداريًا وتقنيًا، وتعزيز قُدرتها على مُحاكاة المواصفات والمقاييس العالمية، مع ضرورة التنبه جيدًا لعدم إغفال إقرار حُزم لتحفيز وتنشيط الاقتصاد الوطني، تحمل في طياتها تصميم برنامج واضح لدعم الإنتاج المحلي والصادرات، ورفع المُحتوى التكنولوجي للصادرات الوطنية، بهدف توسعة القاعدة التصديرية، جنبًا إلى جنب مع الصادرات التقليدية، وذلك من خلال تقديم حوافز مادية، ضريبية أو جُمركية للشركات التي تزيد من الصادرات، وتلك التي تقوم بزيادة القيمة المُضافة، بالإضافة إلى تقديم حوافز مادية للشركات التي تقوم بتوظيف العُمانيين وإحلالهم محل العمالة الوافدة. وأما بشأن الجانب التمويلي، فهُناك أهمية نحو توجيه الائتمان المحلي لهذا المسار بشكل خاص، والعملية الإنتاجية والقطاع الخاص بشكل عام.
واختم بالقول.. إن نجاحنا في المستقبل مرتبط بدرجة كبيرة بقدرتنا على صناعة بيئة الاعمال المواتية لجميع القطاعات والصناعات لتزدهر وان نكون قادرين ان تواصل مع العالم ونكون جزء من سلاسل الانتاج والامداد العالمية، والاهم من ذلك قدرتنا على ان نبعث الارادة والعزيمة في نفوس شبابنا وشاباتنا لتقدم والتعامل مع تحديات بناء نهضة عمان المتجددة.