ظفار.. هل تحتاج عاصمة إدارية؟!

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

(1)

"التخطيط".. هو الأسلوبُ العلميُّ الهادفُ لتقديم الحلول أو بدائل الحلول للمشكلات الحالية أو المتوقعة؛ في إطارِ خطةٍ مُنظَّمة ذات سياسة وأهداف واضحة خلال فترة زمنية مُحدَّدة تأخذ في عين الاعتبار الإمكانيات والموارد والمحددات الحالية أو المستقبلية. وعلى هذا الأساس يعدُّ التخطيط الحضري أو العمراني أحد أنواع التخطيط التي تهدف لتقييم الحياة العُمرانية أو الريفية، وإيجاد حلول هندسية للمشكلات العمرانية؛ كالتضخم السُّكاني وأزمات المرور وتنظيم الحركة بين السُّكان والخدمات، ومن ثم فإنَّه من الواجب السَّعي لإيجاد آليات صحيحة لإقامة مُخطَّط حضري يتلاءم مع الطبيعة الجغرافية ويحقق المُتطلبات الضرورية للسكان.

(2)

ظفار وتبعات سُوء التخطيط

في أبريل الماضي، تمَّ طرح مناقصة في مَوَاقف مطار صلالة القديم؛ حيث دعَّمت مطارات عُمان الشركات المحلية والعالمية للمُشاركة في تقديم عروض "إدارة أنشطة تجزئة ومطاعم ومقاهٍ في مواقف مطار صلالة القديم"، وهي من جملة كثير أفكار تُطرح؛ سواء من باب التطوير أو التحسين، أو الترفيه أو التنمية، ولكن هل فعلا نحتاج إلى سلسلة جديدة من المقاهي؟ لا أعلم! هل المكان المُقترح مناسب من حيث انسيابية الحركة المرورية وقت الذروة، أو لا؟ لا أعلم!!!

ولكنِّي أعلم أن صلالة مُتخمة من المقاهي المُتبعثرة في كلِّ زاوياها، فهل الهدف خلق مجتمع مُستهلِك للسلع؟ أم أنَّ الترفيه بات اليوم مطلبًا أكثر إلحاحًا؟

أليس الأولى توفير مُتنفس كـ"متنفس اليوبيل"، يربط الأحياء السكنية، ويعيد إحياء رُوح المدن التي تذبُل بهجرة ساكنيها إلى ضواحٍ جديدة وغريبة؟!

(3)

ما بين طفار الكبرى ومُومباي الصغرى

المتأمِّل للمنطقة المتمركزة حول نادي ظفار وسينما عُمان قديما، يُشاهد عالمًا آخر، ولغات أخرى، وحياة أخرى، وأسواقًا شعبية أخرى، ولا أعترض هنا على كل هذا بقدر ما يُخال إليَّ أنها بحاجة لتنظيم؛ حيث حفَّز التواجد الكبير والمتنوع لجاليات مختلفة إلى نشوء ظاهر "العشوائيات المرخَّصة"، وفي حقيقتها لا ينطبق عليها مصطلح "عشوائيات" ولكن قد تَحْمِلُ بعضًا من صِفاتها؛ فالتواجد العشوائي لبعض الجاليات في قلب أفضل أماكن مدينة صلالة، ونزُوح الأهالي إلى مناطق أبعد (الضواحي)، كل هذا شكَّل بزوغَ وسرعةَ انتشار مظاهر الحياة العشوائية؛ فتجد أسواقًا بين الأزقَّة لمختلف الجاليات.

والسؤال هنا: هل يُمكن أن تُسهم ظاهرة تنامي أعداد الجاليات الناتجة عن "تجارة التأشيرات" في نزوح أهالي ظفار مرة أخرى من الضواحي؟

(4)

المساحات البيضاء والعاصمة الإدارية

تمتدُّ مساحة كبيرة في أغلب المجمعات السكنية بظفار، وقد تجد أحيانا أكثر من مساحة في مكان واحد تعود ملكيتها لجهة حكومية، وحسب ما هو مُتعارف عليه سيتم استخدمها إن آن أوانها، ولكن متى؟ لا نعلم!!

حسنًا.. لا يهمُّ متى سيتم استثمار المساحة، ولكن: لماذا لا يتم إنشاء عاصمة إدارية في المحافظة، تنضوي تحتها جميع الجهات الرسمية: من مكتب المحافظ، والمديريات العامة، بدلًا من تناثر المنشآت في كل اتجاه، فضلا عما ستسهم به في التيسير على المراجعين والعاملين فيها.. ومثالا وليس حصرًا: مبنى بلدية ظفار الجديد، والذي يقع عند دوار برج النهضة وشارع المطار القديم، تجده وقت الذروة في الأيام العادية مكتظًا بالسيارات مسبَّبة زحامًا يكاد يكون خانقًا.. ولكم أن تتخيَّلوا مستقبلاً إذا ما تم الانتقال للمبنى، وتمَّ العمل بكامل الطاقة التشغيلية، كيف ستكون حركة السير؟!

(5)

النموذج الحضري العُماني القديم

مما امتازتْ به عُمان على مدى تاريخها تقسيماتها الإدارية والحضرية، والتي تُشكل تجمُّعًا حضريًّا مثاليًّا؛ حيث كانت المدينة تضم السكن والحارات والحصن، والأسواق، ومواقع العمل، ومصادر المياه، وهي جميعُها سمات تميِّز المدن الحديثة في العالم المتقدم، وتهدف لتقديم خدمات أفضل لسُكَّانِها في وقت أسرع وبشكل أسهل، وهذا هو هدف التنمية البشرية عالميًّا.. وسؤالي: لماذا لا يظل هذا النموذج الأصيل الذي نملكُه مرجعًا وسمتًا مميزًا لمُجمعاتنا العُمرانية، خصوصا وأنه نموذج لم يغفل الجوانب الخاصة بجغرافية المنطقة ولا المكان ولا البيئة الطبيعية.

كل ما أريده أن أمشي في قلب ظفار، لا أن أمشي وسط فقاعات التحضُّر الاستهلاكي.