السِلم الاجتماعي والتعايش السِلمي

 

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

 

تتكون المجتمعات المعاصرة من مزيج بشري فريد، يتسم أفراده بالتباين في الأصول، والمرجعيات، وحتى اللغات التي يتواصلون بها. وعلى الرغم من ذلك التنوع، ومع مرور الزمن، فقد اتصفت المجتمعات بخصائص عامة، وجمعت بين فئاته قواسم مشتركة، من المفترض أن تمثل قاعدة قوية وذاكرة للعمل المشترك بين أفراده، والتي من المؤمل تناقلها جيلا بعد جيل، وترسيخها في أذهان وعقول الناشئة بطرق شتى، رسمية أو غير رسمية؛ لتحقيق نوع من السِّلم الاجتماعي والتعايش الآمن بين أفراد المجتمع.

 وعلى الرغم من التعددية التي تشكل كيان كل مجتمع، سواء كانت دينية، مذهبية، أو لغوية، وما ينتج عنها من تعارض في المصالح، أو تباين في الاتجاهات، فإنّ الحاجة اليوم غدت ماسة لتجاوز تلك التعددية، بما يسمح ببنيان المجتمع على ركائز متينة من التجانس، والتفاهم، واحترام الرأي الآخر. وإذا كانت التعددية ظاهرة اجتماعية طبيعية، فإنها تتطلب إدارة وحكومة رشيدة لتحقيق السِّلم الاجتماعي، الأمر الذي يجعل من الحوار عاملًا أساسيا للتعبير عن تطلعات كافة الجماعات، في ظل بيئة يسودها الاحترام المتبادل لتلك التعددية.

ويمثل السِّلم الاجتماعي قيمة محورية تنطلق منها المجتمعات الإنسانية على مستوى العالم؛ لتأمين حياة آمنة مستقرة، يعمها التسامح والطمأنينة بين أفراد المجتمع، ويقوي نسيج العلاقات بينهم، بما يمنكهم من التعايش الديني، الاجتماعي، الثقافي، وغيره من المجالات الحياتية الأخرى. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال فتح قنوات واسعة للحوار الإيجابي الذي يقلص مساحات الاختلاف والتنوع بين البشر، وإيجاد نقاط مشتركة لتقريب وجهات النظر، بين مختلف التيارات الفكرية، أو الأصول العرقية، بما يفضي إلى تراخي العصبية، وإذابة الفوارق المجتمعية، وانصهارها في بوتقة واحدة، نحو إعلاء قيم الإنسانية، على أية مصالح طبقية، أو مبررات طائفية.

ومما لا شك فيه، أنّ الحكومات تبذل جهودًا لتحقيق نوع من التعايش السِّلمي على مستوى الرقعة الجغرافية الواحدة، ومع جيرانها على المستوى الاقليمي، بل ويتعدى ذلك ليكون عالميًّا؛ لما يجمعها من مصالح ومنافع مشتركة. لذا فهي تحرص على تبنيّ ما يُعرف "بالعقد الاجتماعي"، الذي يؤطر وينظم العلاقات المجتمعية داخليًّا وخارجيًّا.

ويمثل العقد الاجتماعي، أداة فاعلة لتحقيق نوع من التوازن بين الأطراف المختلفة، باعتباره المرجعية التي تحتكم إليها كافة الأطراف؛ لحل النزاعات والاختلافات التي يمكن أن تحدث بينها. وبناء على ما ينص عليه العقد الاجتماعي من بنود واتفاقيات، فإنّ المتوقع احترام كافة الأطراف للعقود المبرمة، وما تتضمنه من التزامات وواجبات، وإلا فإنّ حدوث أي انتهاكات، تُعد خروجًا على العقد الاجتماعي المتفق عليه. وبالتالي، فإنّ النتيجة المتوقعة من جرّاء ذلك، زعزعة الأمن والاستقرار، شيوع التخلف والفساد، وسيطرة العنف والإرهاب محليا أو عالميا.

وعطفًا على ما سبق، فإنّ تحقيق السِّلم الاجتماعي داخل البلد الواحد أو بين الدول، يتطلب الإقرار بالتنوع، واحترام الاختلاف، وتعزيز سُبل الحوار المشترك، والامتثال للقوانين والمواثيق الدولية، التي تحفظ للمجتمعات أمنها واستقرراها، كما تضمن حرية ممارسة الإنسان لعقائده، واحترام حقوقه وإنسانيته، وبالتالي تحقيق التفاهم والتآزر بين فئات المجتمع، على اختلاف عقائدهم وثقافاتهم، بما يمكنهم من المساهمة في تقدم وتنمية مجتمعاتهم.

ختامًا.. إنّ الدعوة لنشر الوعي بأهمية السِّلم الاجتماعي بين أوساط المجتمع ضرورة مُلحة، ومسؤولية مجتمعية؛ إذ يُعدُّ ذلك سبيلًا للتعايش السِّلمي بين البشر؛ لما فيه درءًا للنزاعات والفتن، وإتقاءً للحَيْف والاقتتال. وهنا يأتي دور وسائط التربية، ووسائل التقثيف والإعلام جميعها؛ لغرس مفاهيم السِّلم الاجتماعي؛ كأداة لتحقيق التماسك والتلاحم، والعيش في مجمتع يسوده الوئام والسَّلام.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة