سالم بن نجيم البادي
يُثار هذا السؤال كلما جاء الحديث عن ضرورة عودة المراكز الصحية للعمل كما كانت قبل جائحة كورونا، وبعد حديث معالي الدكتور وزير الصحة عن استقالات أعداد كبيرة من الكوادر الطبية بسبب الإرهاق الناتج عن تبعات كورونا، رغم أنه يُقال إنَّ هناك أسبابًا أخرى كثيرة مالية وغيرها، فالسؤال المطروح: هل تعاني هذه المؤسسات من ضائقة مالية؟
وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا لا يتم إعادة فتح المراكز الصحية بعد أن خفَّت وطأة كورونا كما كانت قبل الجائحة؟ وهذه حكاية هرولة مواطن طلبًا لعلاج زوجته التي أصيبت بعارض صحي شديد يوم الجمعة بعد المغرب خلال أيام عيد الفطر؛ حيث ذهب مسرعًا إلى المركز الصحي، ظنًا منه أنه مفتوح خلال أيام إحازة العيد، فوجده مغلقًا، ثم انطلق إلى المركز الصحي الآخر، وكان مغلقًا، وقرر الذهاب إلى المستشفى الذي يقع في مركز المدينة، وبعد أن وصل إليه واستخرج الرقم الطبي ودفع الرسوم، رفض الممرض وضع الزوجة في قائمة الانتظار التي كانت طويلة جدًا، وعندما شاهد الزوج ذلك الزحام خرج متوجهًا إلى المجمع الطبي الخاص، وكانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة والنصف ليلًا، فوجد المجمع على وشك الإغلاق والأطباء قد غادروا!
عاد إلى الصيدلية لشراء مسكن، وهناك ذكروا له اسم مجمع طبي آخر، فذهب إليه فوجده مغلقًا، ثم عاد مرة أخرى إلى المستشفى الحكومي منكسر الخاطر، ولحسن الحظ وجد أن أكثر المرضى قد ذهبوا وأخيرا حصلت الزوجة على العلاج، وعادوا إلى البيت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل!
والحديث عن طول فترة الانتظار للحصول على موعد للعلاج في المستشفيات، ذو شجون، معاد ومكرر، والقصص التي تروى في هذا الموضوع أكثر من أن تحصى. ولعله من الجائز والمباح أيضا الحديث عن قلة كفاءة بعض الأطباء وكوادر التمريض خاصة الأجانب منهم، وأقول بعضهم، لأتجنب التعميم، وليس قلة الكفاءة فحسب، وإنما سوء تعامل بعض هؤلاء مع المواطن العماني وافتراض أنَّه لا يفهم، فتجد بعضًا من الأطباء الأجانب من هو رافع خشمه ومصعّر خده ولا يكاد ينظر إليك ولا يستمع إلى حديثك.
يسرد أحدهم تجربته الشخصية، حين يمثل عدم الفهم ويظهر الجهل تكون المُعاملة مُختلفة فاترة وسيئة؛ لكنه عندما يرطن بلغة إنجليزية ويظهر الاطلاع والمعرفة بحقوق المريض وواجباته تتغير المعاملة تمامًا إلى الأحسن ويجد الاحترام والتقدير!!
الناس يتكلمون عن أخطاء التشخيص والأخطاء الطبية مع التسليم بأن هذا يحدث في كل مكان في العالم، وليس عندنا فقط. أضف إلى ذلك النقص في الكوادر الطبية، مثل أطباء الأسنان في المراكز الصحية، مع وجود كفاءات عمانية شابة باحثة عن عمل من الذكور والإناث! فلماذا لا يتم توظيفهم لسد هذا النقص؟! وماذا عن المستشفيات في الولايات، لماذا لا يتم فتح جميع الأقسام والتخصصات الطبية المختلفة فيها لتخفيف الزحام عن المستشفيات المرجعية؟
إلى جانب أن بعض مباني المستشفيات الصغيرة تحتاج إلى صيانة وتوسعة.
يحكى أن غرفة الطبيب العام في أحد هذه المستشفيات تتسرب المياه من صنبور المياه داخل الغرفة التي أصبح شكلها مزريًا، ولم تتم معالجة هذا التسرب منذ فترة طويلة وحتى الآن، ويقال إن شكل الغرفة يشبه غرفة مستوصف صحي في إحدى القرى النائية في البلدان الفقيرة!
والناس يتحدثون عن تصميم غرف الترقيد في المستشفيات المرجعية، التي كأنها منامات الجنود في معسكرات الجيوش، وهي تضم أكثر من مريض، وعند كل مريض مرافق، ويكثر الزحام وقت الزيارة، ولا يفصل بين أسرّة المرضى غير ستائر لا تمنع أنين المرضى وتأوهاتهم، وأحاديث المرافقين والزوار ولا توجد خصوصية للمرضى، ولا راحة؛ بل الازعاج الذي قد يفاقم المرض!
فهل يمكن إعادة النظر في هذا الوضع وتخصيص غرفة مستقلة لكل مريض عند بناء مستشفيات جديدة؟ وحتى الغرف الخاصة- التي يمكن للمريض أن يدفع إيجارًا يوميًا لها؛ ليشتري راحته وخصوصيته- قليلة وصعبة المنال.
ومع كل ما ذكر، فإنه لا ينبغي أن نغمِط وزارة الصحة حقها من الثناء على الجهود الجبارة والمشكورة التي تقوم بها والخدمات الجليلة التي تقدمها للناس، غير أن التطوير والتحسين وتفادي السلبيات والإنصات إلى شكاوى ومقترحات ومطالب الناس والرقي بمستوى الخدمات الصحية، أمور لابُد منها، كما إن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي، والقول إننا في أحسن حال وأفضل من غيرنا، كل ذلك لا معنى له، إذا كان لا يحقق رضا المستفيد، وهو هنا المواطن.