صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
التدخل في شؤون الآخرين دون رضاهم، سلوك متهور مرفوض لا يحترم شخصيات النَّاس المتفردة، ولا يراعي خصوصياتهم المستقلة، ولا ينظر في عواقب الأمور، ومن لا ينظر في العواقب تأتيه المتاعب.
دعهم وشأنهم.. ولا تحاول تغييرهم أو تغيير عاداتهم سواء تقبلت ذلك أو لم تتقبله، فالتدخل في شؤون الآخرين هو تعدٍ على حقوقهم وإضرار بمصالحهم، كما يؤدي إلى عداء وخصومه ومقاضاة قانونية، وإذا شئت ألا تتعرض لمواجهات مزرية مع الناس أو صراعات خاسرة معهم دعهم وشأنهم. وطالما ارتضيت أن تكون معهم وبينهم في محيط اجتماعي واحد بمكان واحد، فالأجدى التغاضي عن أفكارهم التي لا تتفق مع أفكارك وتصرفاتهم التي لا تتلاءم مع تصرفاتك، وميولهم التي لا تنسجم مع ميولك وإلا فالابتعاد هو الحل، دعهم وشأنهم. ومن يغمس أجنحة الذباب في طبق طعامه أو يشرب بول البعير، فهذا شأنه. ومن يسهر الليالي ويطرب بالكأس والأغاني فهذا شأنه. ومن يقضي جل وقته في الصلاة والعبادة ويعيش دينه على حساب دنياه لا يتنعم بما أمتن الله عليه به من طيبات، فهذا شأنه. ومن شاء أن يغلق باب بيته منزويًا لا يُخالط الناس مخافة الناس فذلك شأنه.
وكما أنك لا تقبل لأحد أن يُغيّر قناعاتك، كذلك الآخرين لا يقبلون لأحد أن يغير قناعاتهم، وما تراه أنت سيئًا قد يراه غيرك حسنًا، وما تراه أنت خاطئًا قد يراه غيرك صائبًا، هنا أو هناك أو في أي مكان بالعالم؛ فغيرك لا يرى بمثل ما ترى عيناك، "وكل يرى الدنيا بعين طبعه" و"الإنسان ابن بيئته"، فمن يمتلك ناصية الحقيقة؟!
وما أكثر مدعوها؟! دعهم وشأنهم!
كلها تبقى قناعات شخصية مترسخة وأكثرها أوهام من صنع البشر، لا يريدون أن يفيقوا منها، وهم سعداء بها ومستمرون عليها؛ لأنها تجلب لهم شيئًا من السرور والطمأنينة والراحة. ويختلف الفكر وتتعدد الرؤى وتتشكل وفق ذلك التصرفات، وكل يتصرف بما يُناسبه من أحوال حسب منظوره الشخصي قال تعالى "كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ".
ومن الصعب تغيير المُنكر بيدك في هذا العصر، فيد القانون هي الأولى أن تغير المنكر لا يدك، ولسان الادعاء العام الأجدر أن يتحدث عنك لا لسانك، أما نبض قلبك فلا يستطيع أن يغير شيئًا؟!
لا سلطة لك عليهم ولا شأن، "لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ"، إلجأ إلى القانون يأخذ مجراه، إذا رأيت ما يستحق اللجوء إلى القانون!
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبالتي هي أحسن، إذا ما تقبل الآخر النصيحة، وإلّا امضِ لحال سبيلك، "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ".
وإذا ما تدخلت في شؤون الآخرين لتغييرهم باقتحام مجالهم الشخصي والتعدي على خصوصياتهم، فالقانون سيطبق عقوباته عليك أنت لا غيرك. "ومن يتدخل فيما لا يعنيه يلاقى ما لا يرضيه"، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
إذن دعهم وشأنهم.. فللبيت رب يحميه، وعليك ببيتك وأهل بيتك إن استطعت، ويدبر الله لك الأمر. ولا تتدخل في شؤونهم، فلديك حياتك ولهم حياتهم، لا تهتم ولا تكترث؛ فالكل لديه قصة يعيشها بطلا عليها، منشغلا بتفاصيلها، ولديك قصتك.
اقلب الصفحة، اترك متابعة قصتهم، ضالة هي أم رشيدة؟! أفاشلة هي أم ناجحة؟! مملة هي أم مشوقة؟ كئيبة هي أم بهيجة؟! وما أدراك؟! دعهم وشأنهم!
لا تحسد ولا تحقد ولا تكره، وفر طاقتك المهدورة، "وطالما حسد السليم الأجرب"، ولو دريت لما حسدت وإنما لاشفقت على ذاك الذي أنت حاسده، دعهم وشأنهم.
فقد يضيق صدر الإنسان من قطعة حجر سيراميك صغيرة سقطت من واجهة منزله ويتناسى الآلاف من حجر السيراميك التي لا تزال على واجهة منزله ثابتة. وقد تتوه عين الإنسان عن سعادته بنعمها ونعيمها، ويتباكى على شيء واحد لم يستطع مناله.
وإذا لم تنظر إلى ما عندك بعين الرضا والقناعة والامتنان فأنت الفقير في ذاتك رغم غناك.. وإذا لم تثمن نجاحاتك الحياتية وتتمتع بثمارها وتسعد بأوقاتها، فأنت الفاشل رغم نجاحاتك.. وإذا لم تقدر النعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى في حياتك فأنت المستاء دوما الخاسر الذي لا يمتلك شيئا برغم ما لديه.. وإذا نظرت إلى كل هذا الجمال في الدنيا حولك من بحار وأشجار وسماء ونجوم وصحاري ووديان، ولا إحساس لديك بجمالها، فأنت لم ترَ شيئا جميلا!
دعهم وشأنهم.. فكل له حياته التي هي ليست بحياتك، وشأنه الذي هو ليس بشأنك.. لا تحاول تغييرهم وسيتغيرون بأنفسهم إذا شاءوا أن يتغيروا دون تدخل منك، أو يستمرون على حالهم كما شاءوا.
دعهم وشأنهم!