د.سليمان المحذوري
تحدّثت في مقالي الأخير "كفاءات على الرّف" بجريدة الرؤية، عن أهمية الاستفادة من الكفاءات الوطنية التي خرجت للتقاعد المبكر أو الإجباري خاصة من ذوي التخصصات النادرة من خلال إيجاد قاعدة بيانات لهذه الكفاءات يمكن الاعتماد عليها عند الحاجة إلى مختصين في مجالات معينة، ولفترات محددة بدلًا من جلب خبرات أجنبية هي أساسًا متوفرة لدى العُمانيين.
وفي نقطة أخرى لا تقل أهمية من وجهة نظري وهي ضرورة تمكين الكفاءات الوطنية الذين هم على رأس العمل؛ وذلك بدعمهم ومنحهم الفرص الوظيفية التي تناسب خبراتهم وإمكاناتهم. ومن المعلوم أنّه في شهر أغسطس من عام 2020 صدرت جملة من المراسيم السلطانية بشأن إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة بدمج عدد من الوزارات، وإلغاء هيئات حكومية؛ وبالتالي وجود فائض في الموظفين يمكن استيعابهم والاستفادة من خبراتهم بوضع "الرجل المناسب في المكان المناسب"، عوضًا عن تسكينهم لمجرد التسكين فقط في وظائف لا تمت لمؤهلاتهم وخبراتهم بصلة، أو تهميشهم؛ مما يدفعهم للخروج من المؤسسة في أقرب فرصة؛ الأمر الذي يُعد هدرًا للمورد البشري، وخسارة للمؤسسة لهكذا كفاءات. أذكر ذات مرة أخبرني أحد أقاربي وهو شاب طموح أنّه بعد أن أنهى مرحلة الماجستير ذهب لرئيس الوحدة يُبشره بهذا الخبر، وأنّه حصل على عرض وظيفي من خارج المُؤسسة؛ إلا أنّه يتطلع لوظيفة أفضل يمكنه من خلالها تطبيق ما تعلمه لفائدة مؤسسته، وكان جواب رئيسه صادمًا "شوف أنا عندي مبدأ يروح موظف ويجيني موظف غيره"، وبعد هذه الإجابة مُباشرة ترك العمل، والتحق بإحدى مؤسسات القطاع الخاص التي قدّرت هذا النوع من المُوظفين وأوصلته إلى وظائف عُليا. وما أكثر هذه النماذج!!
وعطفًا على ذلك صدر مرسوم سلطاني في عام 2020 بإنشاء وحدة مُتابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040 من أجل متابعة تنفيذ أهداف هذه الرؤية، ثم صدرت التوجيهات السامية بإنشاء وحدة مستقلة تتبع جلالة السلطان مباشرة لقياس أداء المؤسسات الحكومية، وتبع ذلك تبني وزارة العمل لمنظومة قياس الأداء الفردي والإجادة المؤسسية. كل ذلك يُعطي مؤشرات واضحة بخصوص رغبة الحكومة الجادّة نحو تجويد العمل الحكومي، والارتقاء بالخدمات المقدمة للمستفيدين من كافة الشرائح.
ومن أجل عُمان التي نريد وحتى نتقدم بثقة، ونضع عُمان في مصاف الدول المتقدمة؛ لابُد من تمكين الكفاءات العُمانية من قيادة دفة التغيير في جميع المؤسسات الحكومية، واستثمار الطاقات البشرية المؤهلة لصياغة الاستراتيجيات، وإعداد ومتابعة الخطط اللازمة لتحقيق الأهداف المرجوة بعيدًا عن المجاملات والمحسوبية التي لا تخدم هذه المرحلة بكل تأكيد.