دُمى الفُودو

 

أنيسة الهوتية

قِطعةُ قُماشةٍ باليةٍ تُلَفُ بِخيوطٍ أو"شنانيط" لتشكيلِ الرأسِ والأطراف، فَتُغَمسُ بالدمِ الفاسدِ الذي يختلف مصدره حسب رغبةِ الاستخدام، لعَملِ الطقوسِ! طُقوس حُبِ، جذبِ، تعذيب! تُعاملُ وكأنها دُميةُ مَسرحٍ ولَكِن بدون شخصية خيالية أو حوار، بَل تُقَمصُ مِن الجاني شخصيةً المَجني عليه! وَما سَلِمت دُمى المَسارِحِ، ولا دُمى الأطفالِ مِن مُمارساتِ الشعوذة التي عُرِفَت بـ"دُمى الفُودو".

وَالفُكاهةِ تُدغدغني عِندما أسمع حديث الذين يُدافعون عن الغربيين، وبأنَّ َعقولهم مُتوهجةِ بالعِلمِ مُرصعة بالثقافةً، والتطور، وبعيدون عن الخرافات! وكأنهُم سقطوا حَبةً حَبة كقطرات المطرِ الشفافِ من الغيمِ الأبيض، وَمامروا بالسواد الذي يعيش فيهِ الشرقيون وَماخَرجوا من الطين اللازِب الذي خرجَ مِنهُ أبناءُ العَالمِ الثالث والشرق الأوسط!

والواقعُ أنَّ الغربيين كالشرقيين لا يختلفون عَنهم إلا باللونِ واللغة، أما الأديان فإنها قد اختلطت بين جميع الألوان والأعراق والألسُن، كَما تختلط معهم الشِرك، والخوف من العين، والحسد، وممارسة السحر والشعوذة، لجلب الحبيب، وخلق البغضاء، وربط الرجل، أو المرأة، والمنع مِن السفر، والزواج، والعمل، والدراسة... أو لنيل منصب، وراتب، وسُمعة...إلخ وَعلى اختلاف البشر تَبقى رغباتهم مُتشابهة، وطرقُ السعي لها كذلك.

والشعوذةُ والسِحرُ توأمانِ وُلِدا مِن هاروت وماروت ولازالا يعيشانِ على الكُرةِ الأرضية مُتخليين سُكانها في جميع القاراتِ إلا مَن اتقى الله وآمن بهِ وتوكل عليه وأولئكَ هُم الفائزون. ولَرُبما تنجحُ أعمالهُم هذه ويتحققُ لَهُم مايسعون إليهِ ليسَ لأنَّ سِحرهُم قوي، بل كما قال تعالى في سورةِ الطارق: "إِنَهُم يَكيدونَ كَيدا (15) وأكيدُ كَيداً (16) فَمَهِلِ الكَافرينَ أَمهِلهُم رُويداً (17)".

وفي إحدى الاتصالات الجماعية المرئية كانت تحكي لنا زَميلةٌ من وِلايةِ تِكساس الأمريكية بأنهُم دائمًا يجدونَ دُمىً مُخيفة في شواطئهم، وكانت تقول بِمزاحٍ: "على ما يبدو أنها دُمى فودو"، يعني كُل دمية هي روحُ شخصٍ تَمَّ تعذيبهُ بطريقةٍ ما ومن ثمَّ التخلص مِنه! وَعَلقَت زميلة أوغندية بأنهم كذلك يجدون خرقاتٍ على هيئة بشرية، منتشرة في شواطئهم! أما أنا فَكنت مُستمتعة بالاستماعِ إليهِم رغبةً في إيجادِ فكرةً أضيفها إلى إحدى إصداراتي القادمة! مَع عدم إنكار استغرابي مِن هذه الظاهرة المُنتشرةِ في كل العالم مِن الزمن القديم إلى الآن، وَمن الأرضِ إلى أدناه بين المؤمنين بالديانات واللادينيين! وأحياناً أجدني أفكر بأن: هل فعلاً سيأتي دهرٌ تكونُ فيهِ الأجيالُ جاهلةً إلى درجةِ أنهُم سيعيشونَ على تلك الخرافات والأعمال السيئة كمثلِ مَن سبقنا مُنذُ دهورٍ وقرونٍ مرَّت وكانت أفعالهُم هي سبب نزولِ الأنبياء عليهم لهدايتهِم! وَأخرجتني تِلك الفكرة التي دارت في رأسي من الحِوارِ، إلا أن ضحكة زميلتي التُركية أرجعتني إليهم فانتبهت إلى ما تقول: سأرسل لكن صورةَ الدُمية التي وجدناها في إحدى المزارع، لقد تم وضع قَفلٍ بين القدمين هههههه. فعلقت الأخرى: هذه امرأةٌ تُريد أن تمنع زوجها من الخِيانة! وتِلقائياً ردَدتُ عليها: ورُبما العَكس!

وخَارج حِوار كلام نواعم، أتذكرُ بأنني عِندما كنت طفلةِ وجدتُ دُمية قبيحة جداً وكأنها مصنوعة مِن قماشِ وزارٍ قديم مقصوصة الظهر، وفِعلاً كان هُناك رَجلٌ يلبس مثل نفس الوزار مع الفالينة "كعادة الشياب زمان" فجأةً أُصيب بآلامٍ في ظهره بعد زواجهِ مِن الثانية وأصبح مُقعدًا في بيتِهِ مَع زوجتهِ الأولى لأنها الأكبرُ، وأمُ العِيال فهي من تُقيمه! والفكرة التي أتت ببالكِ عزيزي القارئ، كانت ببالي ولكن أحسن الظَن كما لازلتُ أحاول أنا!!

وفِعلاً الباحثون َفي معهد العلوم البحرية بجامعة تكساس عثروا على دُمى قبيحة مُزرية شَرقي شواطئ مدينة كوربوس كريستي في مقاطعة نويسيز بولاية تِكساس، فهَل يا تُرى كانت تِلك أيضاً دُمى فودو؟!