المُخدرات.. الأفعى القاتلة التي تتسلّل بصمت

حمد الناصري

لعلّ انتشار المُخدرات بأنواعها أصبح من الظواهر العامة في المجتمعات الغربية، حتى إنّ بعض الدول سمحت بتداول كميات قليلة بلا عقوبة، وكذلك في استخدامها لأغراض طبية علاجية.. وفي وطننا العربي ومجتمعاتنا انتشرت ظاهرة تعاطي المخدرات في دول مُعينة فيما بَقيت على نطاق محدود في دول أخرى، وأخذت تلك الظاهرة أساليب وأشكالا مُتنوعة كالدخان والإبَر وغيرها، وظهرت أنواع خطيرة جدًا على شكل عِلْكة أو حلويات ليتم نشرها في المدارس والجامعات في مُخططات خبيثة لتدمير المُجتمعات وسرطنتها!

ومُؤخرًا حذّرت جهات إعلامية من ظهور نوع جديد من مُخدر الكريستال ليس له رائحة وشكله يُشبه حبات الكريستال، ويُعد ذلك النوع من المخدرات هو الأخطر على الإطلاق، بسبب انخفاض سعره وسهولة إدمانه؛ وأعراض تعاطيه القاتلة؛ حيث إنه يجعل مُتعاطيه في حالة من الهلوسة ويتسبّب بتأثيرات شديدة الضَرر على الجسم ، وهو ما يُعرف بين تُجار المُخدرات بـ"الشبو".

وفي سُوريا الشقيقة؛ حيث لم تكن المخدرات معروفة أو مُنتشرة سابقًا، عُرف ذلك النوع الجديد بين أوساط الشباب بمخدر "الشبو"؛ أي أنه يُعطي نشاطًا في الجسم ويُعيد النشاط والشباب للمتعاطي ويجعله يَنسى همومه في وقتها.. ثم يَعود بعد انتهاء مفعوله إلى حياة الاكتئاب والخمول، لِيَجد نفسه مُضطرًا إلى البحث عن جرعة جديدة!

وقد أثارت تغريدة نشرها محمد بن سالم بلاعاط العمري على "تويتر"، قلقًا كبيرًا، وهو يَصف المُخدّر بأنه الخطر القادم، يُدق ناقوسه في مُجتمعنا، فقال في التغريدة "كارثة تحدث في غياب الأبوة، مما أدى إلى عدم تحمل المسؤولية والمتابعة للأبناء، مخدر شبو والذي يسمى "كريستال ميت" أصبح يهدد أبناء السلطنة بسبب انتشاره بطريقة جنونية والذي يعتبر من أخطر أنواع المخدرات المميتة، مخدر اصطناعي خبيث يجب أن يتم متابعة الأبناء وعدم تجاهلهم بحجة أنهم كبروا".

وفي مايو 2021، قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إنّ دولة عربية تحوّلت إلى دولة مُنتجة ومُصدرة للمُخدرات؛ حيث أصبح تصنيع مخدر الكبتاجون فيها بشكل علني وفي قلب المدن.

إنّ عملية الترويج والتوزيع للمخدرات تُتم من قبل موزعين ثانويين في كافة البلدان العربية فيما يَبقى كبار التجار في مَنأى عن القانون والمساءلة، وفي دول أخرى تصعُب عملية مُتابعة واعتقال أعضاء الشبكات الرئيسيين. ولهذه الآفة تأثيرات عنيفة وخطيرة على أجهزة الجسم ووظائفها وعلى رأسها الخلايا العصبية وعلى فئة الشباب والمراهقين بشكل خاص؛ حيث إنها إحدى مُشتقات مادة "الامفيتامينات"، تدفع الشباب إلى ارتكاب جرائم أخطر وأكثر ضررًا من الإدمان نفسه! لذا أولَت الدول والحكومات اهتمامًا كبيرًا لمكافحة تلك الآفة؛ سواء من خلال إصدار القوانين الرادعة أو عبر التوعية المجتمعية وانتهاءً بتطويق ومكافحة شبكات المخدرات وإلقاء القبض على أعضائها لينالوا جزاءهم العادل.

وعلى موقع قناة الحرة الإخبارية- وفي سوريا مثلا- وفي تقرير حول الموضوع، ذُكر أنّ الكريستال يشهد رواجًا ملحوظًا بين فئة الشباب وهو في تطور خطير، وكشف التقرير أنّ أطرافًا خفيّة تُحاول تعزيز انتشار المخدرات داخل المُجتمع السوري، إضافة لكوارث الحرب وتبعاتها، وأنّ الجهات الحكومية لم تتوصل إلى الأطراف التي تقف وراء إنتاج وتوزيع المخدر الخطير في محافظتي السويداء وحمص.

وفي مصر، ارتفعت أسعار المخدرات بشكل مُلفت؛ حيث يُطلق على مخدر الكريستال تسمية "الآيس"، ورغم ذلك فهو مُتوافر حتى أطْلِق عليه "مخدر الشوارع"، وقد انتشر ذلك النوع من المخدرات في أمريكا قبل أكثر من 20 سنة، وفاقت مَخاطره مخاطر الأصناف الأخرى لرخص سعره نسبيًا ولسرعة إدمانه؛ حيث أدّى انتشاره إلى زيادات مخيفة في جرائم الاغتصاب والقتل والانتحار  بين الشباب من الجنسين في أمريكا.

ووفقًا لتقارير طبية، تُعد مُركّبات مخدر الشبو هي مركبات "الميثا امفيتامين" وهو مُنشط شديد التأثير وسريع الإدمان، وتَطال هلوسته السمع والبصر والإدراك، وتُدمّر القلب وتتسبب في انفجار الشرايين وتلف أعصاب المُخ ويُسبب بشكل مباشر جلطات دماغية وقلبية وتشوهات الوجه ويؤدي إلى ظهور أعراض الشيخوخة المُبكرة وتساقط الأسنان وفقدان الذاكرة وضعف المناعة الجسدية، وقد يُودي لاحقًا إلى الانفصام في الشخصية.

وذكر الدكتور مصعب الألوسي من معهد دول الخليج العربية في واشنطن في 17 مايو 2021، أنه عقب الغزو الأمريكي للعراق في 2003، تسببت سنوات الفوضى اللاحقة في انتشار وتهريب المُخدرات إلى داخل العراق عبر الثغرات الكبيرة في الحدود، رغم أن هذا البلد كان من البلدان الخالية من تلك الآفة سابقًا. وفي القانون العراقي ومُنذ بدء تأسيس الدولة العراقية يُعاقب بالإعدام كلّ من تثبُت عليه تهمة الاتجار أو تهريب أو توزيع أو بيع المخدرات.. لكنّ الانفلات الأمني والفوضى وضَعف تطبيق القوانين، كل ذلك أدى إلى انتشار تلك الآفة على نطاق واسع. ولذلك قالت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات إنّ العراق أصبح ممرًا لعبور المخدرات القادمة من أفغانستان وإيران إلى دول الشرق الأوسط.

خلاصة القول.. إنه لمواجهة تلك الآفة الخطيرة والمدمرة يجب على الجهات الحكومية تشديد العقوبات ضِدّ تُجار ومُتعاطي المخدرات ومُروجيها، وإنشاء مراكز مُتخصصة لعلاج تلك الآفة الضارة بالمجتمع، وإعادة النظر في طرق التوعية بأضرار وتبعات تعاطي المخدرات الكارثية على المتعاطي وعلى أسرته وعلى المجتمع.. ويجب أنْ يكون المجتمع شريكًا في المسؤولية الكبيرة، وأن يضطلع ولاة الأمور بأدوارهم في مُتابعة ومُراقبة أبنائهم، والتفكير في وضع حلول ناجعة وفق آليات وسلوكيات العصر الجديد، بعيدًا عن التهديد والوعيد؛ كي نتمكّن من تطويق تلك الظاهرة وصولًا إلى القضاء عليها وتنظيف مجتمعاتنا منها، وعلى المؤسسات العلمية والبحثية تقديم حلول ناجعة وعملية إلى الحكومات، وعلى الجهات الرسمية المعنية أن تكون شريكًا حقيقيًا مع تلك الجهات البحثية وتقوم بتقديم كافة المعلومات والتسهيلات بشفافية عالية وتمكينهم- أي الباحثين- من الوصول إلى المعلومات والأشخاص ذوي العلاقة؛ على أنْ تُتم كافة الإجراءات بالسُرعة المُمكنة، لتجنّب اسْتفحال ذلك المرض الاجتماعي الخطير وتحوّله إلى آفة ضارة وخطيرة على المُجتمع يصعب علاجها.

تعليق عبر الفيس بوك