الغلو في رياضة كرة القدم

د. عبدالوهاب الراسبي

إنَّ الناظر في حال كثير من شبابنا يجدهم قد التهوا التهاءً بالغاً بلعبة كرة القدم وأضاعوا أوقاتهم فيها لا يسمعون بدوري إلا ويتابعونه (دوري كأس العالم ودوري كأس العرب ودوري أبطال آسيا ودوري أبطال أوروبا ودوري كأس أمم أفريقيا والدوري الإنجليزي والدوري الأسباني والدوري الخليجي ودوري فِرَق الولايات والفِرق في الولاية الواحدة وغير ذلك).

ومع إشغال وقتهم بمتابعة الدوريات بالحضور والسفر إليها أو بمشاهدتها في التلفاز أو الهاتف يحلّلون ما يحصل بعد المباراة في وسائل التواصل (في مجموعات الواتساب وتويتر وغيرهما) ويشاهدون من يُحلّل المباراة في التلفاز  وتجدهم يعرفون أسماء اللاعبين بل وأرقام فنائلهم ويصوبون ركلة ذاك اللاعب ويخطِّئون ركلة ذاك اللاعب، وينقسمون إلى قسمين: معَ وضد، ويفرحون ويحزنون ويرضون ويسخطون ويحصل بينهم التهاذر بل أحياناً السباب والتهاجر والتباغض، وعلى هذه الحال بين فترة وفترة طيلة العام في كل عام.

ولا شك أنّ من كانت هذه حاله يُعتبر عبداً لكرة القدم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (*تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش*) رواه البخاري (ح 2887).

فسمّى النبي صلى الله عليه وسلم الإنسانَ المسلمَ عبد الدينار والدرهم والخميصة والخميلة، وهما نوعان من الأكسية ودعا عليه أن يهلك وأن لا يصيب من الدنيا شيئاً وأن لا يتمكن من إزالة ما يؤذيه.

وبيّن العلماء أنّ هذه العبودية ليست عبودية الشرك الأكبر المخرج من الإسلام ولكنها عبودية الشرك الأصغر ومعناه الإخلال بالإخلاص لأنه جعل في قلبه محبة زاحمت محبة الله عزَّ وجلَّ ومحبة أعمال الآخرة.

ويدخل في ذلك كل من تعلق قلبه بشيء من الدنيا وتتحرك همته لأجله ويسخط ويرضى لأجله فهو عابد له ويُقال عبْد كذا.

ومن ذلك كرة القدم عند من يحصل منه ما ذكرت آنفا فإنه يكون عبد كرة القدم؛ لأنها زاحمت في قلبه محبة الله ومحبة أعمال الآخرة.

ولهذا تجد من هذه حاله يحرص أشد الحرص على مُتابعتها فيسهر الليل لأجلها ويتابعها ولو في ثلث الليل الأخير وقت نزول الرب عزَّ وجلَّ إلى السماء الدنيا (فيَقولُ: هلْ مِن سائِلٍ يُعْطى؟ هلْ مِن داعٍ يُسْتَجابُ له؟ هلْ مِن مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ له؟ حتّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ).

وقد يؤديه سهره عليها إلى أن ينام عن صلاة الفجر ومن صلّى حضر  كالسكران،  وإذا صادفت المباراة وقت صلاة الفريضة يحضر المسجد مشوش البال ويتمنى ألا يطيل الإمام في الصلاة حتى لا تعيقه عن متابعة المباراة.

فعلى من وصل إلى مثل هذه الحال أن يتقي الله ويراجع نفسه ويحاسبها. فما الفائدة التي جناها مَن هذه حاله طيلة سنينه؟ وماذا سيكون حاله غدا إذا وجد صحيفته مملوؤة بمتابعة المباريات وتحليلاتها.

أفيقوا يا شباب الإسلام فما خُلقنا للدنيا وللهو واللعب بل خُلقنا لعبادة الله وحده والإعداد للآخرة بالأعمال الصالحة. قد هيؤوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ.

ولست أزعم في هذا المقال تحريم مشاهدة المباريات حينا يسيرا من الوقت، إذا كانت خالية من المنكرات ولم تشغل عن الطاعات. لكني أُنكر على من كانت المباريات شغله الشاغل وأكبر همه ويسخط ويرضى لأجلها وقد يتكلف السفر لأجلها ويهتم ليل نهار بمتابعة أخبارها قد جمع قلبه عليها وزاحم حبها في قلبه محبة الله وألهته عن كثير من الأعمال الصالحة.

فإن قال قائل: نتسلى بذلك. قلنا له: قد تجاوزت حد التسلية حتى دخلت في المحظور فصرت عبدا للكرة إذا آلت حالتك لما شرحت لك.

رزق الله الجميع الهداية والرشاد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعليق عبر الفيس بوك