أينما رُزق الإنسان فذلك موطنه

 

محمد بن العبد مسن

"من ظن أنَّ الرزق يأتي بقوةٍ // ما أكل العصفور شيئًا مع النسرِ

تزول عن الدنيا فإنك لا تدري// إذا جنّ عليك الليل هل تعيش إلى الفجرِ"

لا شك أن من الواجب على الإنسان السعي الحثيث المتواصل نحو الرزق وأن يأخذ بالأسباب، وأن لا يتوكل على البشر أو يتكل على غيره فيجب أن يسعى بكل جهد للحصول على الرزق الحلال الطيب ويأخذ بالأسباب، ويثق بالله سبحانه وتعالى.

أخي العزيز…

يُقال إنه في ذات يوم احتاج عُروَة بن أذَينَة مالًا فتوجه الى هِشام بن عبد المَلك فَشَكَا إليهِ حاله. فضحك هِشام بن عبد المَلك قليلًا ثمَّ قَال: ألستَ القَائِلُ:

لَقَدْ عَلمتُ ومَا الإسرَافُ مِن خُلقِي

أنَّ الذِي هُوَ رِزقِي سوْفَ يأتِينِي

أسعَىٰ إِليهِ فَيُعيِينِي تَطَلُّبُهُ

وَلوْ قَعدتُ أتَانِي لَيسَ يُعيِينِي!

واليوم جِئتَ مِنَ الحِجَازِ إلىٰ الشَّام فِي طَلَبِ الرِّزقِ!؟  فَقَال: يا أمير المؤمِنين لَقَد وَعَظتَ فأبْلَغتْ. ثم خَرجَ ورَكِب نَاقَتهُ وكَرَّ إلىٰ الحِجازِ راجِعًا!

فَلمَّا كَانَ الليل نَامَ هِشام علىٰ فِراشِهِ فَذكرَ عروةً وشفق عليه. فقالَ في نفسِهِ: رجُلٌ مِن قُريشٍ قَالَ حكمَةً وَوفَدَ عليَّ وَرَدَدتهُ خَائبًا. فَلمَّا أصبَح أمر  بإرسال بأَلفِي دِينَار الى عُروَة بن أذَينَة. فَقرَعَ الرَّسول بَابَ دَار عُروَة بن أذَينَة بالمَدينة وأعطَاهُ المَال. فَقَالَ عُروَة بن أذَينَة أبلِغْ أميرَ المؤمِنين مِنِّي السَّلامَ. وقُل لَهْ: كَيفَ رأيتَ قَولِي، سَعيتُ فأكدَيتُ فَرَجِعتْ، فأتَانِي رِزقِي في مَنزِلِي!

عزيزي القارئ

إنَّ الله قد ضمن لك الرزق فلا تقلق.. ولم يضمن لك الجنة فلا تفتر.. واعلم أن الناجين قلة، وأن زيف الدنيا زائل، وأن كل نعمة دون الجنة فانية، وكل بلاء دون النار عافية.

فقف لنفسك مُحاسبًا قبل فوات الأوان.

يقول الإمام الشافعي عن الرزق:

عليك بتقوى الله إن كنت غافلًا

يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري

فكيف تخاف الفقر والله رازق

فقد رزق الطير والحوت في البحر

ومن ظنَّ أن الرزق يأتي بقوةٍ

ما أكل العصفور شيئًا مع النسر

تزول عن الدنيا فإنك لا تدري

إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة

وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر

وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكًا

وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري

فمن عاش ألفًا وألفين

فلا بُد من يوم يسير إلى القبر

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن العبد ليحرِم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر ولا يزداد على ما قدر له".

أعلم أخي رحمك الله أنَّ الذين يشتكون من قلّة الرّزق، وقلّة الحظ، وسوء الحياة، خزائنهم مليئة وغنيّة، ولكنّهم فقدوا مفاتيح كنوزهم، وهي: التفاؤل والصّبر والإيمان.

 

تعليق عبر الفيس بوك