د. خالد بن علي الخوالدي
لا مجال لتطوير التعليم إلا من خلال الاهتمام بالمُعلِّم، فمهما أُعِد من خطط وطُرح من أفكار لجعل التعليم في وضعية أفضل وأرقى وأعلى، فلن يتحقق ذلك إذا كان سيد هذه المنظومة مرهقًا ومتعبًا ومكبلًا بمهام وظيفية بعيدة كل البعد عن المهمة الأسمى (التعليم)؛ فالمعلم هو الركيزة الأولى التي يجب النظر إليها في أي عملية إصلاحية.
واقع المعلم والمعلمة يحتاج إلى إعادة برمجة من قبل وزارة التربية والتعليم، وإلا لن تكون هناك نهضة تعليمية ناجحة مستقبلا، وسيظل وضع التعليم محلك سر، فلا يكفي تطبيق أنظمة عالمية في كل المواد العلمية والأدبية، بينما المعلمون يعانون الأمرين من يوم دراسي مرهق ومنفر وغير محفز على التعليم، يوم يقضيه المعلم يركض خلف الطلبة لإعادتهم إلى الصفوف وللمناوبة في أوقات الاستراحات وتنظيمهم في الطابور وإخراجهم من الصفوف الدراسية لتأدية النشيد الوطني، ومراقبة أوضاعهم عند الحافلات المدرسية صباحًا ومساءً والتأكد من خلو الصفوف ودورات المياه من أية طالب أو طالبة، ومراقبة الطلبة عند المقصف المدرسي، ومراقبتهم في كل شاردة وواردة، فمن أين يأتي المعلمون بالطاقة البدنية والذهنية وهم مرتبطون بنصاب حصص يصل بعض الأحيان إلى 26 حصة في الأسبوع، وفوق ذلك يُلزمون بحضور الحصص الاحتياطية، فمتى يأخذ أنفاسه ومتى يأكل ويشرب ومتى يحضِّر لدرسه القادم، ومتى يتحدث مع زميله في أمور العمل والحياة.
الوضع صعب والعملية التعليمية تواجه تحديات شديدة نتيجة هذه الضغوط، والمسؤولون في المؤسسات المعنية لا يرون بشكل كافٍ هذه التحديات حتى أوصلتنا إلى مستويات متراجعة في التعليم، والسبب الرئيس هو إهمال المكوِّن الأول للتعليم؛ وهو المعلم.
صادفت في أحد المواقع الإخبارية خبرًا عن دراسة للباحثة التربوية سالمة الراسبية توصلت إلى أن (75- %80) من المعلمين يشعرون بعدم رضاهم وحماسهم للعمل، وأن (%60) من المعلمين وأغلبهم من الذكور لديهم الرغبة في تغيير وظيفتهم. إن وظيفة المعلم ليست سهلة كما يعتقد البعض؛ بل وظيفة صعبة جدًا ومسؤولية عظيمة، فهي تأخذ جهدا مضاعفا مرتين أو ثلاث مرات عن الوظيفة المدنية التي يعمل بها بقية الموظفين، ولا يكتفي المعلم بعمله اليومي الرسمي في المدرسة؛ بل عليه واجبات ومسؤوليات أخرى من التحضير والإعداد والتجهيز ليوم دراسي قادم في اليوم الثاني فلو افترضنا أن عنده منهج أو منهجين وبعضهم ثلاث مناهج مع نصاب حصص ثقيل، فمتى سوف يعد العدة لهذه المناهج، وفوق ذلك يطلب منه التفكير في وضع استراتيجيات تعليمية مختلفة من درس إلى درس وفق معطيات معينة، ناهيك عن التزاماته الأسرية المسائية التي يقصر فيها نتيجة انشغاله بالتصحيح والتحضير والإعداد للحصص المقبلة، ويأتي شخص ويقول وظيفة المعلم سهلة "وتراه يتكلم ثلاث ساعات وخلاص"!
من وجهة نظري، وحتى نرقى بالعملية التعليمية لابُد من تحرير المعلم من كل المهام الخارجة عن وظيفته الحقيقية، والعمل بجدية وصدق نحو تحفيز المعلمين وجعلهم مميزين ماليًا ونفسيًا وروحيًا عن كل موظفي الدولة؛ إذ لهم الفضل الأول في إخراج الأطباء والمهندسين والضباط والجنود والعلماء، وكل موظف مدني أو عسكري يدين لهم بالفضل، ومقترحي لتوفير الجو المناسب للقيام بوظيفة التعليم الحقيقية يتم إلى جانب ما سبق من خلال توظيف 5 أو أكثر من خريجي شهادة الدبلوم العام في وظيفة "مساعد معلم"؛ ليقوموا بالمهام الخاصة بالمناوبات والمقاصف والاحتياط ومراقبة الطلاب في الحافلات وغيرها الكثير، وبهذا نضرب عصفورين بحجر واحد؛ حيث نوفّر جوًا مُريحًا للمعلم حتى يُبدع، ونساهم أيضًا في توفير فرص وظيفية للباحثين عن عمل بما لا يقل عن 7000 وظيفة، ويبقى المعلم دوره هو التحضير والتعليم وإعداد الاستراتيجيات التعليمية والخطط العلاجية والابتعاد عن التعليم التقليدي والنهوض بمستويات الطلبة في كل النواحي التي تجعلهم متميزين وتجعل من عُمان دولة ذات مستوى عالٍ في جودة التعليم. ودمتم ودامت عمان بخير.