احتلوا عقولنا.. فاستعمروا أراضينا!

سالم البادي (أبو معن)

 

منذ أكثر من سبعة قرون قد انتزع العدو منَّا فلسطيننا وقدسنا و"مسجدنا الأقصى الشريف" وباقي مدننا العربية، ولكن هذا لم يتأتَ إلا بعد ما نجح العدو في احتلال عقولنا وسلبها منا فاستعمرنا فكريا وذهنيا، وسلب منا حريتنا، فأصبحنا  مضطهدين مغلوب على أمرنا مسلوبي الإرادة والعزيمة مقيدين بقوانينهم التي فرضت من خلال المنظمات الدولية التي تم إنشاؤها من أجل سيطرتهم على عالمنا العربي والإسلامي والاستيلاء على مقدراتنا ومدخراتنا وتاريخنا وكل ما تحت الأرض وفوقها من كنوز وموارد طبيعية ومعالم ثقافية وعلمية وتدمير كل مقدساتنا وحضاراتنا الإسلامية....إلخ.

ولا بُد أن ندرك تماماً أن أعداءنا قد نجحوا  في السيطرة علينا من خلال "احتلال عقولنا " وسلب حريتنا، فأصبحنا أداة تنفيذية لأجندتهم، نتحدث ونتخاطب بلغتهم بل نلبس ملابسهم ونمشي ونخطوا على خطواتهم، ونفكر بتفكيرهم، فقد أسرونا "عقلا وفكرا" ، فقد لا ترى أعيننا إلا جمال باريس ولندن وإبداعات نيويورك وبرلين وسحر جنيف وفيينا وحضارة وتاريخ  روما وأثينا!

وقد وصل الحال بنا إلى أن أفقدونا هويتنا الوطنية العربية والإسلامية، فقد أصبحت الأحزان والمعاناة والمأساة أناشيدنا الوطنية المحببة إلينا، وأصبح المنافق والمتملق والجاسوس مسؤولا ونائبا لهم في تنفيذ أجندتهم الاستيطانية الشيطانية، فصنعوا من المجرمين والخونة أصحاب نفوذ وسلطة، وسلموهم رقابنا،  وأصبح العلماء والنبلاء والفقهاء والكتاب والأدباء والمثقفون والوطنيون خلف قضبان الحديد، ومن يعارضهم حكموا عليه بقانون الإرهاب والتطرف.

وشباب الأمة أصبحوا تحت إدمان شبكات المواقع الإلكترونية والترفيه والأفلام. وأصبح لمشاهير "السوشال ميديا" بكل طوائفهم وأجناسهم ملايين المتابعين وأصبحوا هم المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي والواقع الافتراضي، وأصبح المدرسون والأكاديميون والباحثون بلا طلبة ولا متابعين، فقد أصبحت جامعاتنا وكلياتنا ومعاهدنا مسارح وقاعات فارغة، ومدارسنا أوكارا للمدمنين ومقلدين لأبناء الغرب في الموضات والموديلات المنحطة أخلاقيا، والتي لا تمت بصلة لأخلاقنا العربية والإسلامية.

ويتمثل هذا الانحطاط الأخلاقي الغربي في البعد عن العادات والتقاليد والأعراف والقيم والأخلاق النبيلة الحميدة، وهي ثقافة غربية يطمح المستعمر من خلال نشرها بين أوساط مجتمعاتنا العربية حتى يصل إلى هدفه وغاية مراده وهو تفكيك وتمزيق البيت والمجتمع العربي وهدم كيانه وأركانه والأسس التي قام عليها من خلال دس هذه السموم وتفريغها في مجتمعاتنا. 

ولمّا خضعت الأمة لسيطرتهم عندها رضيت بخلع ثوب العزة والكرامة واستبداله بثوب الذل والهوان، عندها استطاع العدو أن يحتل عقولنا ويسلبنا حريتنا ليسيطر على كل شيء بعدها. لقد انتشر في الأمة الجهل وسادت الأمية، وتفشت الرذيلة والجريمة، واستولوا على مواردنا ومقدراتنا وفرضوا علينا قيودا ما أنزل الله بها من سلطان منذ أكثر من  سبع عقود خلت.

أصبح حالنا اليوم يُرثى له، فأصبح الأخ يخون أخوه وصاحبه وجاره، وانتشرت الفتن  بيننا، فتارة نحارب ونعتدي على بعضنا، ونحاصر الآخر ونعاديه تارة أخرى.

فلا جامعة عربية وحدتنا، ولا تكتلات إقليمية ودولية أخرى نصرتنا، إنها فقط مسميات نتغنى بها ونبيع الوهم لأجيالنا. اجتماعاتنا ومنظماتنا ومؤتمراتنا وندواتنا لم ترق إلى مستوى الوحدة الحقيقية!! ولم تنجح في إقامة تكتل عربي إسلامي قادر على حماية نفسه والدفاع عن حدوده ومقدساته وأراضيه؛ فالأمة لم تنجح كما نجح أعداؤها خلال عقود خلت، فهم عملوا بما تعلموا فوصلوا ونجحوا. أما العرب فلم يعملوا بما علموا فتخلفوا كثيرا عن الركب حتى ضعفوا وصاروا أمة ممزقة متفرقة متشرذمة ضعيفة جدا لا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا تستطيع العيش بمفردها. فوجدها الغرب لقمة سائغة وقام بتقسيمها فيما بينه دويلات صغيرة وفككها تفكيكا استراتيجيا ووضع لها أنظمة جديدة بحيث تبقى ضعيفة ومقيدة.

لا بُد أن نعترف بفشلنا الذريع حتى في تنمية بلداننا العربية، وفشلنا حتى في الإصلاح بين أشقائنا والتقارب بينهم... فنحن أمة أصبحت فاشلة حتى في حل مشاكلها بنفسها!!

أصبحنا أمة لا تعي ولا تدرك ما تملك من إمكانيات وموارد كبيرة بإمكانها أن تسخرها في نهضتها وأن تفيق من سباتها، وبالتالي تستقل فكرياً وتستعيد عقلها المسلوب منها منذ عقود وتتحرر من قيود الاستعمار والاستعباد والاستبداد والاضطهاد إلى حرية الفكر، والانطلاق نحو صناعة مستقبل جديد متطور ومواكب للمتغيرات الإقليمية والدولية.

ما زال الوقت يسمح للأمة أن تنهض من سباتها وتستعيد وعيها، وخاصة في هذه الفترة التي يمر بها العالم عبر المتغيرات والتقلبات الدولية التي تسود العالم الجديد، ورسم خارطة جديدة في موازين القوى العالمية، فبالعمل الجاد والفكر المستنير والتخطيط الجيد تصل للنجاح بإذن الله تعالى.

إنَّ إعادة توحيد الصف العربي والعودة إلى الحاضنة العربية والإسلامية وقبل هذا وذاك العودة إلى عقيدتها السمحاء وشريعتها الغراء، باتت ضرورة ملحة، فالاتحاد قوة وخاصة بين دول تربطها علاقات وروابط كثيرة ومتميزة وفريدة مثل اللغة والدم والتاريخ والدين والقيم والأخلاق، مما يجعلها أمة قوية متماسكة مترابطة  تحت راية واحدة موحدة ومصير واحد.

إن تحرر العقول من القيود يساعد في إعادة تشغيل الفكر والنهوض من السبات العميق، فالأوطان لا تبنى إلا بعقول وافكار أبنائها.