هل نقترب من نصفه بهمة؟

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

مضت الحياة بغيرنا وبنا منذ النشأة ونحن مُختلفون في فهمها والعمل عليها، مضت في خطها الذي أراده المولى عز وجل لها، ونحن لم نكن بمثل ما أراده الله جلَّ جلاله لنا إلا من رحم ربي جل جلاله، وحينما قال ربنا تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" لم نفقه ذلك أبدا ولذلك لم نطبق إلا أيضا من رحم ربي جل جلاله، فلم نعِ المقصد من خلقنا أبدا، إلا قلة فهموا ذلك وعملوا وبادروا وجاهدوا.

وبالنظر إلى أحوال عامة الناس في مشارق الأرض ومغاربها، نجد أن هناك من غير الله جل جلاله يعبد، ولغير الله جل جلاله يسجد، ولغير الله سبحانه وتعالى يذهب ويطلب ويتقرب، وبالتالي فإن نسبة أولئك إلى نسب المسلمين في عالمنا هم اليوم كثير. فهناك شرك بالله جل جلاله واضح، وهناك تعدٍ وجحود به خالقنا عز وجل وإنكار له مستمر، وهنالك تجاوزات مستمرة على ذاته جل جلاله لم تتوقف، وما بات ذلك يحرك شعرة في الكثيرين من أجل وقف هذا التمادي ولو بالحكمة والموعظة الحسنة، فالله المستعان.

إن شهر رمضان المبارك قبل أن يحل علينا كانت هناك أنفس تدعو الله جلَّ جلاله أن يلاقيها به، ومنذ أن حلَّ هذا الضيف العزيز علينا، غادرنا منهم كثير.

فالذي كان يُمني نفسه بأن يلاقيه، توفاه الله سبحانه وتعالى قبل ذلك، والذي كان يتمنى أن يسلمه جلَّ جلاله لرمضان حتى يبلغ تمامه، أيضا غادرنا في أيامه الأولى، وها نحن نقترب من نصفه، ولسنا نعلم ما إذا كنا سنصله، أم سنلحق بمن ودعناهم منذ أيام.

إن هذه الحياة الدنيا عجيبة وغريبةً، وأعحب ما فيها الإنسان الذي لا شك لن يكون مخلدا فيها وعليها، وإنما سيترك هذه الدنيا الفانية مرغماً.

إن هذا الشهر الفضيل كما نعلم فرصة لتصحيح المسار مع الخالق جل وعلا، ومع النفس وتهذيبها وترويضها على الإقبال على الله تعالى، أيا كان منصب هذا الإنسان وعمره ومكانته، وأود في هذا المقال أن أدلف إلى نقطة مهمةً، وهي أنه نجد ناس ما شاء الله يصلون لكنهم يخجلون من أن يطبقوا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في هيئتهم، كالانضباط مثلاً بلبس الثوب، أي أن لا يكون ثوبهم أسفل الجوزة. فكما قال الحديث الشريف عن رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إزرَةُ المُسلِمِ إِلى نصْفِ السَّاقِ، وَلاَ حَرَجَ أَوْ لاَ جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ، فَمَا كانَ أَسْفَلَ منَ الكعْبَينِ فَهَوُ في النَّارِ، ومَنْ جَرَّ إِزارهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظرِ اللَّه إِلَيْهِ".

لذلك نجد ونرى إنسانا محافظاً على الصلوات في جماعة وما شاء الله عليه في ذلك، لكن ثوبه أسفل من جوزته، ولا يأبه بذلك أبدا، بل يعلم بفداحة ذلك لكنه مُصرّ على الخطأ والمخالفة.

فالسؤال هنا لم تستحي يا أخي من تطبيق أمر فيه مرضاة الله ورسوله، ألا تعلم أنه من أطاع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله جل جلاله، ألا تعلم أن الله جل جلاله قال "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". ألا تعلم أن سيد الخلق أجمعين قال «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أَبَى». قيل: ومَنْ يَأْبَى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أَبَى». وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا "من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة".

فلماذا نتساهل في امتثال أمر الله جل جلاله وتطبيق ما أمرنا به ونهانا عنه، وهو رفع الثوب إلى أعلى الجوزة حتى تكون صلاتنا صحيحة ومقبولة، قد يكابر إنسان ما ويجادل ويتفلسف ويقول إن مسألة إنزال الثوب إلى أسفل الجوزة ليس بها شيء وليس صحيح أنه لا تقبل معه صلاة ولا إمامة المسلمين.

وهنا أقول لأخي هذا يا أستاذي ويا شيخي ويا سيدي اذهب لعالم دين تقي عرف بورعه وخوفه وخشيته من الله تعالى، واجلس معه لتفهم، فالله جل جلاله لا يُعبد على جهل وكبر، فتبين وتفكر حتى لا تموت وأنت مذنب، فويل لمن يعلم ولا يعمل مرتين، وويل لمن لا يعلم مرة.

فقد يكثر إقبال الناس على أداء الصلوات في هذا الشهر الفضيل المبارك، إلا أنك تتحسر حينما ترى شخصا ما شاء الله يعتاد المساجد، لكن دشداشته تلامس الأرض.

إنَّ هذه الأيام آخي الكريم فرصة لتدارك الأخطاء، وعلى المسلم أن يقول دائماً "ربي اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"؛ فالله الله في تصحيح المسار مع خالقنا في هذه الأيام، فلا نعلم متى يحين دورنا لنودع هذه الملعونة، فالدنيا ملعونة وملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه.

ويا أخي الكريم صدقني شبرا من ثوبك تنزله ليلامس الأرض ليس أفضل من قولك لله تعالى سمعت واطعت يا ربي، وليس أفضل من أن تطيع الله ورسوله، فجل جلاله يفرح حينما يقبل الإنسان عليه طائعا له ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي هو أشرف موجود وأفضل مولود وأكرم مخصوص ومحمود، فالبدار البدار فالأيام المعدودات على وشك أن تنقضي، هذا ونفعني الله وإياكم بهدي كتابه. وبسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة