نحيب الجدران

طفول سالم

يُوْلَدُ الإنسان مُحِبًّا لاكتشاف مَا حوله، وهذه فطرة خُلِقَتْ فيه دون شَكٍّ؛ خُلِقَ بريئًا عفويًّا فَيَكْبُرَعلى ما شَبَّ عليه في مجتمعه وبيئته، مكتسِبًا للحق والفعل الحسن والسلوك الخَيِّر والقيم النبيلة وتارةً أخرى يرمي بكل تلك القيم وتصنعُهُ ظروف مغايرة فيُفْسِدَ ويُذْنِبَ حسب ما يفرض عليه واقعه واستعداده النفسي؛ لذلك لا يوجد مجتمع مثالي بالكامل، ولا يوجد مجتمع يغلب عليه السوء، وتلك حكمة الله في الخلق وهذا الصراع بين الخير والشر إلى قيام الساعة، وعلى الرغم من كل ذلك؛ (الإنسان مُخَيَّرٌ فيما يعلم ومُسَيَّرٌ فيما يجهل).

يعتز الإنسان بنفسه ويفتخر بِهُوِيَّتِهِ وانتمائه إلى أرضه وثقافته لكن عليه أن يحقق التوازن وأن يتقبل هُوِيَّات الآخرين وينبغي أن يؤمن بالتنوُّع والاختلاف؛ فمن المعلوم أنَّ لكل بيئة ثقافية واجتماعية أعرافًا وعاداتٍ ومعتقداتٍ تُتَنَاقَل على مَرِّ الأجيال؛ فيصبحَ التمسك بها عقيدة وضرورة للكثير منهم.

وهذا لا يتعارض مع حِفْظِ قيمة ومكانة وكرامة واحترام وتَقَبُّل الآخر؛ نحن في مجتمع ذِي حضارة عميقة متشِّعب الجذور ومتشابك جِدًّا، ومما لا شَكَّ فيه أن لكل بلد أو إقليم خصوصيّته وكل بلد يحاول أَنْ يُصَدِّرَ ثقافته إلى الآخر، خاصَّةً إذا كان يحمل الأدوات القوية التي تُوْصِلُ ثقافته إلى الآخر؛ يحدث ذلك حتى على مستوى الدولة الواحدة ذات التنوُّع البيئي والثقافي بين كل منطقة وأخرى أو بين محافظة وأخرى، إذ تحاول نشر تاريخها الأثري الذي يُبْرِزُ الهوية والمعالم التي تتحدث عنه وعن عمقه التاريخي.

إن صراع البروز صراعٌ أَزَلِيٌّ حميد وإذا كان يحمل طابع الصراع التنافسي الشريف. فعندما تبرز ثقافة مجتمع على آخر تسود الثقافة القوية على الجميع، ولقد وَثَّقَ العديد من المؤرخين َالأثريين الحضارات والتاريخ واستفاد المجتمع الإنساني منها الكثير. وصراع التاريخ وصراع الحضارات

لن تتوقف عند جيلنا! ستظل مستمرة إلى نهاية التاريخ ولن تتوقف أصداء تلك الحضارات عند حارتنا.

كلُّ باحث عن تاريخ ما أو مصدر معلومات ما؛ يبحث عنها في المكتبات المشهورة في الجامعات العالمية في المتاحف أو تلك المكتبات التي تحمل الطابع الرسمي وغيرها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر: نحن في محافظة ظفار لدينا معالم تاريخية بارزة؛ كمنطقة البليد الأثرية، ومنطقة خور روري (سمهرم)، ومنطقة شصر، وخرفوت وغيرها والتي تعتبر مواقع بارزة منها ماهو مقيَّد في التراث العالمي. وفي ولاية مرباط تراث مادي رائع؛ كالحصون والبيوت والأسواق القديمة وأضرحة ومعالم تاريخية منها ضريح بن علي وضريح زهير بن قرضم، وتراث سياسي و ثقافي وأدبي وعلماء وشعراء في التاريخ، لم يتم إبرازهم بالشكل الذي نطمح إليه نحن أبناء الولاية، وهنا ينبغي إبراز هذا المجد التليد والتاريخ المجيد للجميع، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال استثمار الحصن كمتحف للتراث المادي تجمع فيها كل ما يتعلق بتراث الملموس الأثري والتراث الطبيعي البيئي، وأن تخصص بيت نزوى للتراث الثقافي المعنوي من كتب تاريخية ومذكرات ومراجع ووثائق، وفي كل الأحوال فإن إبراز الولاية وتراثها هو بلا شك إبراز لتراث المحافظة، ثم في نهاية الأمر هو تراث وطني أصيل.

إِنَّ ما يدهشني شخصيًّا- ورُبَّمَا يُدهِش عدداً من الناس أيضًا- أَنْ نرى مرباط القديمة صارت شبحًا يستغيث، لسنوات عِدَّة وهي على الحال نفسه! ولا نرى دافِعًا ولا مانِعًا لِلتَّأَخُّر طيلة هذه العقود من تعمير تراثها وترميمه وتجديد ذلك التاريخ العتيق أُسْوَةً ببقية الولايات. إن هذا التاريخ يَخُصُّ الجميع، والاستمرار في إهماله إجحاف نرى تأثيره على تُرَاب مرباط وحصونها وأسواقها القديمة.

تآكلت "نزوى" بيت سيدوف واليوم جدرانها تنتحب وتستغيث لم يرف لها جفن أحد أو يكلِّف نفسه طلب إعادة تعميرها وإعاده الحياة إليها؛ ما المانع ولماذا لا ترمم وتتحول إلى مزار تاريخي؟ وبما أن البيت قريب من السوق القديم والبيوت القديمة لماذا لا يعاد هيكلتها وترميها وترميم ما حولها من بيوت على شاكله ما سيتم عمله في الحَافَّة! ولا أَحْسَبُ هذا الأمر سيُكَلِّفُ مبالغَ خياليَّةً؛ كُلُّ هذه الأماكن بسيطٌ جِدًّا إعمارُها؛ من وجهة نظري!

إن إعادة إعمار السوق القديم على شاكلة الأسواق التراثية القديمة وتستثمر فيه عدد من النشاطات السياحية والتجارية كغيرها.

نحن بحاجة ماسة إلى بيت نزوى وبيت الحبشي اللذين يرتكزان عند البوابة باعتبارهما تراث مادي ومعنوي لولاية مرباط العريقة؛ لابد من أن يُخَصَّص بيت الحبشي كمتحف على سبيل المثال، وبيت نزوى كمكتبة أو أحد الحصون الشامخة ليكونوا شاهدين على تاريخ وحضارة الولاية.

تعليق عبر الفيس بوك