اطعموا البائس الفقير

 

سالم البادي (أبومعن)

 

في هذا المقال سنتطرق إلى موضوع بالغ الأهمية وخاصة في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك؛ وذلك لأن هذا العمل هو من أعظم الأعمال التى يتقرب بها العبد المسلم إلى ربه، وهو "الحث على إطعام الفقراء والمساكين والمحتاجين" في هذا الشهر الكريم وباقي الشهور من العام.

تعد هذه الأعمال قيمة إسلامية كبيرة دعا إليها ديننا الإسلامي الحنيف وأمرنا بها وحثنا عليها وحببها إلى قلوبنا وذلك لما لها من آثار كبيرة وعظيمة على مجتمعنا الإسلامي؛ بل وعلى الإنسانيه قاطبة.  وهذه القيمة بمثابة تجسيد لكل معاني الترابط والتعاون والتكافل والتعاضد بين أفراد المجتمع الواحد، وهي أيضًا سبب في التقليل من المهالك والمساوئ والأذى والمخاطر التي قد تقع على المسلمين، وتدفع بها الأمراض والأسقام، وتكون هذه الشعيرة أيضًا عاملا مهما في زيادة روابط الأخوة والمحبة والألفة بين كل شرائح المجتمع.

ويرى البعض من الناس أن هذه الأعمال بسيطة وسهلة، ولكنها في حقيقة الأمر عظيمة وكبيرة عند رب العباد، لما يترتب عليها من تداعيات عظيمة على المجتمعات، وتنعكس عليها آثار إيجابية على الإنسانية بشكل عام.

وكما هو معلوم للجميع فإن الطعام (الغذاء) هو الذي تقوم عليه الحياه والذي بدونه لا تستمر الحياة، لأن البدن قوامه ووقوده هو "الطعام"،، لذلك كان لأهمية الطعام وإطعامه للجائعين والمحتاجين أهمية عظيمه للانسانية. وكانت الدعوة إلى الإطعام من أولويات خطابات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند بداية الدعوة النبوية.

فعندما هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، كان أول خطاب له صلى الله عليه وآله وسلم فيها الدعوة لإطعام الطعام، فقال في الحديث الشريف: (يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلامٍ).

ولتبيان أهمية إطعام الطعام، خُصَّت زكاة الفطر من رمضان بالطعام، ولذلك أُدخل الإطعام في جميع الكفارات، ففي كفارة القتل وكفارة الظهار وكفارة الوطء في نهار رمضان، في كل واحدة منها "إطعام ستين مسكينًا"، وفي كفارة اليمين "إطعام عشرة مساكين"، وفي فدية ارتكاب محظور في الإحرام "إطعام ستة مساكين".

 وفي شريعة التقرب إلى الله بالأضاحي، أمر بالإطعام منها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ الحج: 28، وفي آية أخرى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ الحج: 36.

وسئل رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: أي الأعمال خير؟ فقال: (إدخالك السرور على مؤمن، أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت له حاجته)، وفي الحديث الذي رواه الحاكم عن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنَّ في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام)، وفي الحديث الذي رواه البخاري قال عليه الصلاة والسلام: (أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكُّوا العاني)، والله سبحانه تعالى يقول في محكم التنزيل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾  الإنسان: 8. فقد جاء مسكين إلى السيدة عائشة رضي الله عنها فسألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاةٍ لها: أعطه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت: أعطه إياه، ففعلت، قالت: فلما أمسينا، أهدى لنا أهل بيتٍ- أو إنسان- ما كان يهدي لنا شاةً وكفنها، فدعتني عائشة أم المؤمنين، فقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك؛ حيث قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ الإنسان:8.

لذا وجب على المسلم أن يطعم الطعام في موضعه الصحيح وأن يكون أكثر جوادا في العطاء والإطعام فمثلا إذا كنت لا تملك إلا قوتك، ولا تملك إلا قوت أولادك وقوت أسرتك، ومع ذلك تجود به: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الحشر: 9.

وهناك ظاهرة اجتماعية بالغة الأهمية وللأسف منتشرة في مجتمعاتنا وهي في الحقيقة لا تمت للإيمان ولا قيم الإسلام السمحاء، وهي بأن يصبح ويمسي المسلم شبعان وأخوه المسلم من قريب أو جارٍ أو بعيد يتلوى من الجوع أو من العطش وقد دارت به الدنيا ولا يجد ما يسد به رمقه ورمق أهله وأسرته،  وهو متعفف الحال لا يسأل الناس إلحافا.

فمن سمات المسلم هي الرحمة بحيث يرحم إخوانه وجيرانه وأن يكون أكثر قرباً ووصالا منهم وأن يتلمس حاجياتهم ومتطلباتهم من طعام وكسوة وغيره ..، فعلى المسلم أن يبادر ويسأل عن إخوانه وأصحابه وجيرانه ويتواصل معهم، ويطمئن على أحوالهم وصحتهم، وأن لا يقطع وصالهم. فمتى كان الإنسان  قريبا منهم كان الله أقرب إليه، وإذا أطعمهم مما أعطاه الله  أغدق الله عليه من ماله ووسع عليه رزقه وزاده من فضله ونعمائه وأصبح في حفظ الرحمن لا يمسه سوء ولا مكروه بإذن الله تعالى؛ فإطعام المحتاجين والفقراء والمساكين من أحب الأعمال الجليلة إلى الله عز وجل، بل إنها من أسباب النجاة من المخاطر والمهالك والمصائب، ومن أعظم أسباب تفريج الكرب عن الإنسان.

فكن أخي المسلم عونا وسندا لإخوانك، وأقربائك وجيرانك وأصحابك، ولتعلم  أخي المؤمن علم اليقين أن طريق إطعام الناس وإخراج الصدقات والزكوات الى المحتاجين والفقراء "بالغذاء" خاصة أيام الفقر والعوز والبلاء والغلاء والتفريج عنهم معاناتهم وتخفيف ألامهم، أنها من أحب الأعمال إلى الله تعالى وبها تتقرب إلى ربك وتكون بحفظه ورعايته.

فالعطاء بالطعام ليس محصورا على أطعمة محددة بعينها، وإنما تكون حتى ولو بتمرة أو نصف تمرة، فلها قيمة عظيمة عند الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (اتقوا النار، فقالوا بماذا يا رسول الله؟ اتقوا النار ولو بشق تمرة) وبنصف تمرة قد تقي وجهك من عذاب الله وحر جهنم.

أخيرًا وليس آخرًا، فإنَّ الجزاء والثواب من هذه الأعمال كلها هو أن يباعد الله عنك النار وحرها ولهيبها وأن تنال عفو الله ورحمته وعظيم كرمه ورضوانه ومغفرته ونعيمه وجنانه.

اللهم وفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.

تعليق عبر الفيس بوك