مشاريع الرفوف.. ما جدواها في المرحلة الحالية؟

حمد الناصري

كشف معالي المهندس سعيد بن حمود المعولي وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أن الوزارة تعكف حالياً على دراسة مشروع اقتصادي ضخم، يتمثل في إنشاء سكة حديد بين مدينة صحار الصناعية ومدينة خزائن الاقتصادية بولاية بركاء، مُشيرا إلى أنه "في حال ثبتت جدوى المشروع اقتصاديا فسيتم المضي قدماً فيه كأحد مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص".

وليس سراً القول إنّ السلطنة تُعد من دول الاقتصادات الريعية لاعتمادها على واردات النفط والغاز وفوائض الموازنة وبعض واردات الضرائب. ولأنّ أسعار البترول والغاز ارتفعت لأكثر من ضعف الأسعار التي اعتمدتها الميزانية العامة، فمن المتوقع تحقيق فائض كبير هذه السنة مما يفتح الباب أمام تمويل بعض المشاريع المؤجلة والمُتعثرة؛ ولأننا في وقت ينبغي فيه استغلال كُل ريال من أجل الصالح العام، فإنّ إنفاق المال العام وتضييع الوقت والجهد في التفكير في مشاريع قد لا نرى نفعها حتى في عقد من الزمان يُعد هدرا لا طائل من ورائه، ولا مسوغ لتنفيذه الآن.

والسؤال يتكرّر: هل نحن بحاجة إلى تلك المشاريع الآن؟ وهل الفكرة لإقامة مشروع ضخم، كإنشاء سكة حديد بين صحار وخزائن مُجدية على المدى القريب وفي ظل الظروف العالمية الحالية؟! وما هو الأهم في الوقت الحالي بالنسبة للإنسان العُماني البسيط الذي يطمح إلى تأمين لُقمته وسكنه، أليس من حق ذلك المواطن أن يرى بصيصًا من الانتعاش المادي وأن يستفيد من بعض ذلك الفائض؟

وحيث إنّ فئة المواطنين المشمولين بالضّمان الاجتماعي كانوا هم الأكثر تضررًا جرّاء الحالة الاقتصادية الصعبة التي خلّفتها جائحة كورونا، لذا اعتقد كبداية أنه يجب أن يكونوا هم المستفيد الأول من الفائض المرتقب.

هنا أتساءل لماذا الآن دراسة مشروع ضخم، كهذا، وصرف مبالغ كبيرة لشركات محلية ثم يركن لعدم استخدامه أو لعدم وجود الحاجة الآنية له في الوقت الحاضر؟ ورُبما أو بعد حين وإذا ما تبلورت الفكرة يُمكن اعتماد الاستثمار من شركات دولية لمثل تلك المشاريع. ثمّ ما الذي يمنع أن يتم طرح تلك المشاريع للاستثمار الخارجي وإذا ما لاقت قبولاً أو تهافتًا من قبل  المستثمرين الخارجيين على تلك المشاريع؛ فهي إذن ذات جدوى وإذا عزف عنها المستثمرون فهي دلالة على ضعف أو انعدام جدواها.

إنّ الظروف العالمية الحالية والأزمات التي تعصف بالاقتصاد العالمي تفرض أن يكون التوجه في التطوير واستغلال أي فائض مالي باتجاه مشاريع الأمن الغذائي خصوصًا؛ لأن الكثير من دول العالم أصبحت تلمس تأثير الأزمات على قوت الناس، ناهيك عن توفير الدعم المناسب للطبقة الأكثر فقرًا في المجتمع من خلال عدة إجراءات؛ منها توفير بطاقات خاصة لخصومات من الأسواق، مثلاً كما هو معمول به في دول كثيرة، ووضع مُخصصات لكل طفل في تلك الأسر بمعدل ثابت، وتشجيع الشركات على توظيف أفراد تلك الأسر، وغيرها من الأفكار التي تُؤدي إلى الارتقاء بمستوى المجتمع وزيادة مُستوى التكافل الاجتماعي فيه.

وحول موضوع مشاريع الأمن الغذائي، أرى في تجربة سيدنا يوسف عليه السلام وقبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة من تخزين الحبوب والغذاء لمدة سبع سنين تمكّن من خلالها من تأمين قوت المصريين إضافة إلى الشعوب المجاورة بشكل مُستمر وكُفء؛ حيث أمرهم بأنّ يتركوا حبوب القمح والشعير في سُنبلها كي لا تتعرّض للتلف، إلا بقدر الحاجة إليه للمأكل، وذلك لمواجهة سنين مقبلة من القحط والجفاف، فالمصلحة العامة اقتضت ذلك، حفظاً للأرواح وللأموال والاقتصاد بشكل مُتكامل ومُتناسق.

إنَّ منظومة التموين العُمانية أثبتت كفاءتها ورصانتها في عدة مُناسبات ونجحت في الاختبار أمام أزمات طبيعية وعالمية كثيرة، لكنّ ذلك لا يعني أننا قد أنجزنا الأمن الغذائي فلا نزال نحتاج إلى بُنية تحتية حكومية تشمل مؤسسات حكومية كبرى للنقل البحري والبري ومنظومة مخازن استراتيجية ومنظومات تعبئة وتغليف وتنظيف واستخلاص المحاصيل الزراعية ومنظومة إدارية للتحكّم والسيطرة على تلك المُنشآت، ناهيك عن مشاريع زراعية وحيوانية استراتيجية تدعمها الدولة لتأمين الاحتياجات الغذائية للمواطن، ليس لستة أشهر كما هو معمول به الآن، ولكن للاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة للاستيراد، خصوصاً للمحاصيل الأساسية كالقمح والشعير والذرة وزهرة الشمس والبنجر السكري أو قصب السكر وغيرها.

أخيرًا نقول إننا نأمل من المسؤولين إعادة النظر إلى المشاريع التي لا تؤتي أكلها في فترة قريبة والتركيز على مشاريع الأمن الغذائي، واستثمار الأموال المتوفرة في مصلحة الوطن والمواطن وفق الظروف الحالية، وتعزيز مُستوى معيشة ذوي الدخل المحدود وفئة الضمان الاجتماعي، وإصلاح قانون التقاعد للفئات الأكثر تضرراً، ومُراعاة المُتقاعدين وتعزيز برامجهم اليومية لتكون لهم الأولوية، ورفع المستوى المعيشي بشكل عام ودعم السلع الأساسية لكي يكون مجتمعنا أكثر اطمئنانًا واستقرارًا ولكي نضمن مُستقبلًا مزدهرًا بعيدًا عن أية مُؤثرات أو مُنغصات خارجية طبيعية أو اقتصادية.

تعليق عبر الفيس بوك