أهلًا رمضان

 

أنيسة الهوتية

"أهلاً رمضان"، وأخشى في يومٍ مِن الأيامِ أن تتحول تِلك العبارة الترحيبية برمضان إلى مُجرد ذكرى وموروث شعبي تراثي، وليسَ ترحيباً فعلياً بشهرِ العبادةِ والحِل والغُفران!

المُسلمون أصبحوا كمثل مَن وصفتهم الآية "وفيِ ذلك فليتنافس المُتنافسون"، إلا أنَهُم يتنافسونَ في الهوامش التي جعلوها من الأساسيات وتركوا الأساسيات التي جعلوها من الهوامش! وبذلك قلبوا طاولة الرحمةِ على رؤوسهم وهُم لا يُدركون!

أصبحوا يستقبلون رمضان كاستقبالِهم لعرس أو عيد، وهذا أمرٌ جميل ولكن كُل ما زاد عن حده انقلب ضده ونحن وصلنا إلى مرحلة الانقلابِ ضِده! هَوس المجتمعات المسلمة في التجهيزات الرمضانية من أوانِ، إلى جلابيات وملابس، وأضواء وإنارات وزينة، وتصوير للزوايا المنزيلة وصحون السُفرة ومتابعة المسلسلات، وكُلُ ذلك الاهتمام الذي لَم يُعطِ رمضانَ قيمةً أكبر بل استرخصهُ وحولهُ إلى شيءٍ آخر تماماً! فرمضان شهر العبادة والصوم والعمل الصالح بالجوارح والأفعالِ والأقوال، وأكيد الصلاة وتلاوة القرآن! شهرُ تنافسٍ على العبادات وصالح الأعمال وليس تنافسٍ على "أشيكِ" الثياب" وأبهى الأواني، وأجمل الزينات والأضواء! ثم "السوالف" على أحداث المسلسلات في أروقة الواتساب ووسائل التواصل الاجتماعي!! والسهر ليلاً على ذلك ثم النومُ نهاراً!

وفي خِتام رمضان يخرجون بِمحفظةٍ فارغةٍ ورصيد صفر في حسابهم ببنكِ الآخرة الذي عملته هو "الثواب" والذي كان الشهر الوحيد الذي تحصل فيهِ أضعاف أضعاف ما تودعهُ فيه! فإن أودعت عُملة واحدة من الثواب تجدها تتحول إلى 10 أو 40 أو 100 أو 1000 وما يزيد! وتصبح فجأة من أغنى الأغنياء، ويتم إستبدال رصيدك ذلك تلقائيًا حسب شروط الصك البنكي وتحصل بالمقابل على تِلك الجِنان العظيمة التي يملؤها الخير أين ما وقع بصرك، ناهيك عن الهموم التي تُغسل وتقع ولا تجد لرجوعها سبيلاً فإن تِلك الأرض التي نتنافس لها اليوم لا يوجد بها حُزنٌ، أو همٌ، أو جوعٌ، أو أي شيءٍ آخر غير السعادة والراحة الأبدية ونيل ما نتمنى بلا شقاء وعمل وتعب.

إذاً لِماذا تُعامِل مَعبرَك هذا وكأنَّه مقرك ومستودعك! فأنت لن تعيش هنا بل ستعيش هُناك أبدًا ولن تذوق الموت مرتين إنها مرةٌ واحدةٌ فقط حتى تخرج من هنا وتذهب إلى هناك وهُنا ليس سوى طريقٌ للوصول إلى هناك فأختر المسار الصحيح حتى عندما تصل، تصل بسلام وأمان فيقال لك: "أدخلوها بسلامٍ آمنين".

وَرِسالةٌ إلى كُلِ مَن مَزقَ صِلةِ رَحِمٍ بِفتنةٍ، أو غيبة، أو نميمة، أو سحرٍ وشعوذةٍ ودَجلٍ -لَم يَكُن ليتحققِ إلا بأمر اللهِ لحكمةٍ لا يعلمها إلا هو فإنِّه لا يكون شيئاً في الكونِ إلا إذا أمرهُ الله وقال لهُ: "كُن".. فَيكُون- استغفر ربك ورَدَ المظالم إلى أهلها، وأصلح أخطاءك قبل أن تُغادر روحك جسدك فواللهِ ثُم واللهِ إن الله ليس بغافلٍ عَمَّا تعملون. وتأكد أن الظَالِم لايموت حتى ينتقم الله منه شَر انتقام، فيبتليهِ بما سعى بهِ من بلاءٍ لغيره!

ولِكُل مَن ظَلم عبدًا، وسرقَ حقًا، وهتكَ عِرضًا، وقذفَ مؤمنًا، تأكد أن الله يغفر كل شيءٍ إلا الشرك بهِ وحقوق العباد، فنقي نفسك وروحك من حقوق العباد والشرك، حتى لا تتحول في الآخرة من ملياردير إلى فقيرٍ عندما يتم تحويل رصيدك البنكي الممتلئ بعملة الثواب إلى رصيد شخصٍ آخر كان صفراً ولكنه اغتنى عدالةً، بعدما ظلمتهُ هُنا في هذه الدار الدُنيا.

اقرأوا وأفهموا الحياةُ (الدُنيا)! هذا الاسم لوحده كَفيلٌ أن يدفع العبد الصالح للتنافس الشديد رغبةً في الحياةِ العُليا والعمل جاهداً لتحسين وضعهِ هُناك.

الأكثر قراءة