ماذا يجب أن نعمل في رمضان؟!

 

د. محمد بن عوض المشيخي

نعيش في هذه الأيام المُباركة، أجمل وأفضل شهور السنة، فبحلول شهر رمضان المبارك الذي تتسامح فيه القلوب وتصفو فيه النفوس وتكثر في ظلاله العبادت والأعمال الصالحة، يتنافس العباد لفعل الخير والفلاح، ويجود فيه الأغنياء من أموالهم على المساكين بالصدقات، ويخرج في نهايته زكاة الفطر، التي تطهر العقول والأجساد من الحقد والرجس والقسوة وشوائب الدنيا.

فمن أهم أهداف الصوم، تذكير الصائمين بالفقراء والمحتاجين الذي ينتظرون الفرج في رمضان من كل عام. وفي هذا الشهر المبارك؛ تتضاعف في رحابه أجور العباد وحسناتهم، وفيه نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين رحمة للعالمين. وهو شهر العمل والصبر والاجتهاد والاعتكاف في سبيل الله، وليس شهرا للنوم والكسل وتحويل الليل إلى نهار، ثم النوم طوال ساعات النهار؛ كما هو الحال عند البعض الذين يستثقلون قدوم هذا الشهر وتجدهم عابسين في الساعات القليلة التي يضطرون فيها للقيام بواجباتهم اليومية؛ متناسين ما يحمله رمضان من مكارم ربانية للبشرية جمعاء خاصة المؤمنين، مثل؛ النفحات الإيمانية والسكينة والاطمئنان والتقرب من خالق هذا الكون الله سبحانه وتعالى. ومن نعم رمضان وفضائله على الناس؛ تصفد فيه الشياطين ويمنعون من أذى الصائمين، إذ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إِذا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وسلسلتِ الشياطِينُ".

يجب التذكير أنه قد تحققت أعظم انتصارات هذه الأمة في هذا الشهر الفضيل؛ بداية من غزوة بدر التي كانت في 17 رمضان في السنة الثانية للهجرة؛ والتي كانت بداية انتصارات المسلمين ورفع راية الإسلام؛ ومرورا بمعركة القادسية في السنة الخامسة عشرة للهجرة بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله، الذي فتح بلاد ما بين النهرين وفارس، وانتهاء بحرب العاشر من رمضان بين العرب وإسرائيل والتي وافقت 6 أكتوبر 1973.

ومن العادات الدخيلة علينا استثقال بعض الناس أداء الواجب والعمل في نهار رمضان، وكأنَّ هؤلاء القوم يحملون هم وغم الدنيا على رأسهم، لدرجة أن هناك من ينام على الكراسي والكنبات أثناء الدوام الرسمي، ويحاول بعض منهم تجنب مقابلة المراجعين؛ بل وحتى الحديث إلى من حولهم، باعتبارهم صائمين، وسبب ذلك، بالطبع هو الإرهاق والسهر والخلود إلى النوم في ساعات الصباح، مما يترتب على ذلك صعوبة في الإدراك وعدم القدرة على التركيز والاستسلام والخوف من الجوع والعطش.

فهناك من يستغل ساعات الليل حتى وقت الإمساك، للأكل والشرب بشكل مفرط، في الوقت الذي يتطلب الأمر الاعتدال في الطعام، وتقسيم ساعات الليل للعبادات وقراءة القرآن وأخرى للنوم، خاصة المحافظة على صلاة التروايح التي افتقدناها جميعاً لعامين متتاليين، بسبب جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على العالم منذ نهاية 2019، وقبل ذلك كله المحافظة على جميع الصلوات في المساجد جماعة، ليس فقط في رمضان بل وطوال أيام السنة.

ومن العادات السيئة التي ارتبطت برمضان؛ التباهي والإفراط في إقامة ولائم الإفطار في المنازل والاستراحات ودعوة الضيوف لتلك العزائم اليومية التي تُقام طوال أيام الشهر الكريم، إذ تهدر كميات كبيرة من الطعام، وتذهب للنفايات بدون رقيب أو حسيب، فهذه النعم قد تزول بسبب الأفعال التي تتنافى مع حرمة الشهر وروحانيته؛ في الوقت الذي يعاني فيه الفقراء في العديد من الدول العربية من المجاعة وقلة التغذية. وتأتي دول الخليج العربية في مقدمة الدول في إهدار الطعام، فتصدرت المملكة العربية السعودية دول العالم؛ إذ تصل نسبة الإهدار إلى 30% من الأغذية المنتجة والمتوفرة في البلد؛ بقيمة تبلغ نحو 49 مليار ريال سعودي سنويًا، في حين يصل إجمالي الهدر في الغذاء داخل المملكة إلى أكثر من 8 ملايين طن كل عام، ثم تأتي الإمارات والكويت تباعًا، بينما يقدر متوسط هدر الغذاء في السلطنة بحوالي 470322 طنا سنويا؛ وبلغت الخسائر المالية السنوية، لهذا الهدر أكثر من 56 مليون ريال عماني.  

ومن الأمور الجديرة بالمراجعة والتدبر في هذه الأيام الخالدة؛ الاعتراف بأننا قد ابتُلينا بالعديد من الأمراض الاجتماعية المقيتة والمدمرة للمجتمع؛ كالحسد والكراهية والتعالي على الآخرين؛ مما ترتب على ذلك مراقبتنا للناس من حولنا؛ بهدف التعرف على أملاكهم ووظائفهم ودخلهم من أعمالهم التجارية. فعندنا تُهم جاهزة لهؤلاء الذين يظهر ثراهم على الملأ. ماذا لو نظر أعداء النجاح بعين الرضا لهذه الحياة القصيرة، واعتبروا تلك الإنجازات والمكاسب التي حققها الآخرون الذين في العادة ننظر لهم بعين الريبة والتوجس، أنه خير وقيمة مضافة لنا جميعاً إذا أحسنا الظن بمن حولنا، فندعو لكل الناجحين في هذا البلد العزيز بالتوفيق والهداية. فنحن لا نعيش في المدينة الفاضلة، فلا يوجد مجتمع في هذا العالم خالٍ بالكامل من السلبيات أو العيوب.

وفي الختام.. ونحن في بداية هذه الأيام العطرة، يجب أن نُحسن استقبال الركن الرابع من أركان ديننا الحنيف بالتوبة النصوح والإخلاص في العبادات لوجهه تعالى. فرمضان شهر الصبر والتضحيات والإيمان والقيام. وقبل ذلك كله يجب أن نستقبله بالتسامح والتجاوز عن الآخرين الذين قد الحقوا بنا الأذى في سابق الأيام؛ وأن نحتسب ذلك لله. فالمسامح كريم.

أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري