مدرين المكتومية
استيقظ كل ثلاثاء، أحيانًا بمزاجٍ رائع، وأحيانا أخرى لا أريد أن أنهض من فراشي، استثقل كل شيء، ولكنني اضطر لفعل ذلك التزاماً مني بساعات العمل، والمهام الموكلة إليّ، وعند وصولي للمكتب، أجلس قرابة الساعة فقط أبحث عن فكرة لأكتب عنها مقالي الأسبوعي، والذي أرى أنه التزام مني تجاه القراء.. أفكر وأفكر، وأتشاور مع من هم حولي عن ما سأكتبه، وما الفكرة التي يجب أن أطرحها في هذا المقال؟!
أشعر في كثير من الأحيان أنني لا امتلك أي فكرة، وأن كل ما أكتبه هو نتاج فقط، فتح صفحة بيضاء، والتأمل فيها، وكتابة أحرف وحذفها، حتى أشعر أنني بدأت فعلا، لكنني بدأت دون أن أدرك ما الذي أود قوله،، أو ما الذي أريد إيصاله، ومن هم الذين سيقرأون الذي سأكتبه...؟ لكنني أكتب في نهاية المطاف.
عندما بدأت كتابة هذا المقال أيضًا لم تكن لديَّ فكرة أكتب عنها، فبدأت أشرح لكم الحالة التي تنتابني كل يوم ثلاثاء، ولكني فعلا اخترت الكتابة عن "فكرة" كلمة بسيطة ولكنها أيضًا مدهشة وخيالية، خاصة وأننا لا نستطيع قراءة العقول فالأفكار خرساء أيضا، وبمجرد ما نكتبها أو نشرحها تخرج من إطار الصمت لإطار الفهم، وبالتالي تصبح شيئاً ملموساً، إننا نعيش الحياة في مجملها، وسط كم هائل من تزاحم الأفكار والرؤى والتطلعات، وهذه الأفكار لا يمكن التكهن بها في رأس أي شخص إلا حين ينطق بها.
دعونا نتحدث عن هذه "الفكرة" أيُعقل أننا لا نعلم أهميتها وماهيتها في هذه الحياة، إنها الشيء الوحيد الصادق، والتي عاش عليها الكثيرون، والتي أيضا كانت سبباً من أسباب هذا الكم الهائل من هذا التقدم التقني والانفجار المعرفي وإيقاع الحياة المتسارع الذي نعيشه، إن هذا الكم من الأشياء ماهو إلا حصاد ونتاج لأفكار الأشخاص، التقدم والتطور الذي يشهده العالم ماهي إلا بنات أفكار بسيطة وأصبحت على أرض الواقع، علينا أن لا نستصغر كلمة فكرة ولا نستصغر أي فكرة صغيرة فكل شيء بدأ صغيرًا ليكبر، هكذا هي الحياة، وهذا ما يحدث دائمًا، حتى وأنا أكتب هذا المقال، ما كنت أعرف ماهي الفكرة التي أود طرحها، ولكنني وجدت نفسي أكتب وأكتب وأكتب حتى قاربت على نهايته.
علينا أن نؤمن أن الأفكار هي الطريق الوحيد للإخلاص، هي الحقيقة التي يجب أن نهتم بتحقيقها، والعمل على جعلها واقعاً، ولا نسمح لأي شخص أن يقلل من تلك الفكرة خاصة وإن كانت واقعية، علينا أن نتعلم كل شيء وفق ما تمليه علينا دواخلنا، ونسعى لأن نحقق كل شيء بطريقة تتلاءم مع ما نعيشه، إنها الحياة بكل ما فيها وعليها ماهي إلا فكرة صغيرة لنجد الآن طائرات، سيارات، معامل تقنية، ومعامل طبية وغيرها من الأفكار التي ساهمت في نمو البشرية.
إنني أكتب لكم فقط عن "فكرة" لم أجدها، ولكنها وجدتني وأجبرتني للتعبير عنها كمصطلح، إنها الفكرة التي يظل الناس يتساءلون عنها، كيف ولماذا، وأين...؟ تقود لكل الأسئلة التي تحتاج لإجابات، ولكنها في النهاية هي الطريق الوحيد للتميز، ولإثبات قدرات نفسك أمام الآخر، وهي أيضًا الرحلة الطويلة التي حولت العالم وقادته نحو الثورة الصناعية، وما نحن عليه اليوم.