الحرب الروسية الأوكرانية (1- 2)

 

 

سالم بن أحمد صفرار

 

هل أصبح الحوار حوار القوة؟ وهل الطريق يمضي بنا نحو حرب عالمية قادمة؟

إنَّ مآسي الحروب وويلاتها وقسوتها لم تكن غريبة على أوروبا فهي قد ذاقت فظاعاتها حينما كانت ساحة القتال في الحربين  العالميتين الأولى والثانية قبل أن يتوسع مداها لتمتد لخارج نطاق أوروبا والتي ذهب ضحيتها أكثر من 70 مليون قتيل وأكثر من 200 مليون جريح هذا غير أعداد المهجرين والمفقودين وما ترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية باهظة، هل يعني أنَّ أوروبا تتجه إلى السيناريو ذاته؟ إن لم يتم تفادي ذلك عبر التفاوض وإن كانت الآمال المعقودة على المفاوضات صعبة فيما يبدو للآن ومن البديهي أن يكون الموقف الروسي صعبا إذ لا يُمكننا الاعتقاد بأن روسيا ستتقبل رؤية جارتها أوكرانيا تحت مظلة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في تغيير كبير يهدد الأمن القومي الروسي.

أوكرانيا هي الحديقة الخلفية لروسيا وحينما يتواجد عليها الناتو وأسلحته فلا يمكن أن تقبل روسيا ذلك برحابة صدر، من جانب آخر كانت الآمال الأوكرانية الحاسمة الخروج عن العباءة الروسية والإندماج أكثر في الغرب الأوروبي لتكون إحدى دول الاتحاد الأوروبي والتي تدخل في رحلة طويلة من الوقت والجهد والتفاوض مما يسمح لها أن تكون أحد أعضاء حلف الناتو آملةً أنها ستكون في مأمن من أي غزو خارجي، وذلك لالتزام الأعضاء فيما بينهم بالدفاع عن أيِّ دولة ضمن الاتحاد الأوروبي تتعرض لاعتداء، فهل أصبحت القوة هي الحوار الذي يتم التعاطي به أم هذه إحدى السياسات التي سيتعاطى بها الدب الروسي سعيًا لاستعادة مجد الاتحاد السوفيتي؟

أوكرانيا بين الغرب والأمريكيين والروس

رأينا في بداية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا كيف كانت مواقف دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة منسجمة ومؤيدة لأوكرانيا نحو مسار الانضمام للاتحاد الأوروبي حول العالم الحر والديمقراطية كما يدعون والتي لا تفتأ عن القول مرارا بأنَّ أوكرانيا غدت من عائلة دول الاتحاد الأوروبي وتتشارك معنا الثقافة والمعتقد والقيم ونرى الكلمات تستعر حينما تصرح روسيا بأي تصريح قوي يستهدف أوكرانيا وكأنها باتت على استعداد لمساندتها لتحارب معها جنبًا إلى جنب لو حدثت الحرب فعلاً.

وحينما تغيرت الأحداث بوتيرة أسرع وصحا العالم متفاجئاً على كابوس الحرب وبدأت أرتال الآلة العسكرية الروسية تستعد رويدا رويدا لدخول الأراضي الأوكرانية، ولكن حينما بدأت وتيرة الحرب تسلك المنحى الجدي منها لوحظ التغيير في نبرات الحوار الأوروبي مع روسيا والذي يبدو فيه اختيار آلية التراجع عن قوة تلك التصريحات في الأسبق بصيغة بدت لدى رئيس أوكرانيا زيلنسكي مُخيبة للآمال كما ظهر في تصريحاته في أولى أيام الحرب حينما أدرك المفاجأة وصرح بأننا تركنا وحدنا.

هل يعني ذلك أنَّ الغرب والولايات المتحدة غررا بأوكرانيا لتتمرد على المارد الروسي وتنفض عن نفسها عباءته ثم تركت لوحدها بعد أن جعلت تتخلص من كل أسباب قوة الردع التي لديها بوجه روسيا بوعود من الغرب والولايات المتحدة بالوقوف لجانبها وحمايتها، إذ رأينا ذلك التراجع الغربي من الناتو بعدم السماح بفرض حظر جوي على المجال الجوي الأوكراني وبدا جلياً التردد الأمريكي حينما كانت لدى بولندا النية لتقديم طائرات مقاتلة لأوكرانيا. ولكن من زاوية أخرى وربما في وجه آخر يمتص خيبة الأمل تلك أبدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا الاستعداد لتقديم المساندة بالمعدات العسكرية بعد أن صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي مرات عدة حول ذلك مطالباً بتعجيل قبول أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ومطالباً بفرض حظر جوي على الطيران، ولكن كانت المفاجأة بمكيال مختلف لدى زيلنسكي؛ حيث فرض حظر جوي في سوريا والعراق وليبيا ولكن في أوكرانيا الصورة اختلفت حينما أصبح ذلك يلامس أوروبا مخافة من مغبة ذلك القرار على رد الفعل الروسي من توسع رقعة الحرب والانجرار إلى أتون حرب نووية عالمية ثالثة.

لا يمكننا أن نغفل أنَّ هناك عوامل تطغى بظلها ما بين المصالح الاقتصادية والمناكفات السياسية إذ لا يُمكن أن يغيب عنَّا أن القارة العجوز لديها ارتباط اقتصادي متعاظم مع موسكو فهي تحصل على أكثر من 40% من الغاز الطبيعي من روسيا وكذلك ما يقدر بـ25% من النفط والمعادن النفيسة التي تدخل ضمن الصناعات الثقيلة وليست في ظل الوضع الراهن في وضع يجعلها تستغني عن الغاز الروسي وتتحمل تبعات ذلك؛ فالتغيير لا يمكن أن يتأتى بين عشية وضحاها هذا فضلا عن الدور الذي تلعبه روسيا في الزراعات الغذائية عالميًا فهي بلاشك تؤثر عالميا واقتصاديا حتى وإن تكثفت عليها العقوبات الاقتصادية، فكما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يتوقع العقوبات سواء في هذه الحرب أو غيرها، وهذا يعني أن روسيا لديها ما تواجه به ولديها أوراقها التي ستستخدمها حينما ترى ذلك مناسب، وفي السياق نفسه تعتبر أوكرانيا سلة للغذاء الأوروبي وذلك كونها رابع أو خامس منتج ومصدر للقمح والذرة في العالم.

 

تعليق عبر الفيس بوك