فتياتنا.. والاعتماد على عاملات المنازل

 

سالمة بنت هلال الراسبية **

 

فرضت التطورات التكنولوجية والحياتية نفسها على جميع مناحي الحياة مما جعل العالم كأنَّه قرية صغيرة، وقد هيمنت هذه التطورات على الواقع الأسري في المجتمع الشرقي منها الاعتماد على العاملات المنزليات في تسهيل الأمور المنزلية وغيرها وعلى أثر ذلك مررنا بمراحل مُتعددة وعادات دخيلة علينا أصبحت وللأسف الشديد –كما يعتقدها البعض- علامة للتطور والانفتاح وهي الاستعانة بعاملات المنازل من جنسيات متعددة وبات الاعتماد عليهن اعتماداً كليًا، من غسيل وتنظيف وترتيب وعناية بالأطفال وغيرها ومع هذه الموجة جاءت عادات دخيلة خلقت جيلا من الفتيات والفتيان الذين لا يجيدون أي مهارة منزلية ولو كانت بسيطة، وزاد الإهمال والكسل وعدم الاعتماد على الذات.

فتقوم الفتاة صباحًا لا تُكلف نفسها حتى ترتيب سريرها كما اعتاد الأبناء على رمي ملابسهم على الأرض بدلا من تنظيمها فتجد غرف نومهم مليئة بالأوساخ والملابس المتسخة والأحذية وغيرها بسبب الاعتماد على العاملة المنزلية التي يعتقدون أنها إنسان آلي لا يكل ولا يمل ولا يتعب!

هذه الثقافة الدخيلة علينا هي ليست فقط في المنازل بل حتى بالمدارس فكثير من المعلمات يشتكين من الطالبات –كما هو الحال مع الطلاب-كرمي المخلفات على الأرض بعد انتهاء من الأكل في وقت الفسحة، فتقوم العاملة بإعادة تنظيف الفصل والمدرسة وهي في عمر أمهاتهن وهذا دليل على قلة الوعي والإدراك.. وليس له أي تفسير آخر.

ففي دراسة حديثة قمتُ بها مؤخرا تهدف للتعرف على الاستراتيجيات التي يتبعها أولياء الأمور مع أبنائهم من خلال العبارة التالية: "أوجه ابني نحو القيام ببعض المهارات المنزلية لتصبح سلوكًا مُمَارسًا"، فقد أعرب 7 من 10 من أولياء الأمور أنهم يوجهون أبناءهم لممارسة المهارات المنزلية؛ كالترتيب والتنظيم وتقليم الأشجار وري النباتات، وذلك لشعورهم بأنَّ هذا العمل يوظف طاقاتهم الفتية في سلوكيات عملية تُفيدهم في الحياة. وهذا دليل على شعور أولياء الأمور بالمشكلة، كذلك من الاستراتيجيات التي تسهم في غرس السلوكيات السليمة في نفوس الأبناء هي التقليل من الاعتماد على العاملات قدر الإمكان إلا في الحدود الضيقة وهذا بلا شك سيترك مساحة من الحرية لأفراد المنزل مما يخلق جواً من الألفة والمودة بينهم، وتحمل المسؤوليات لكل فرد من أفرادها.

إنَّ النظرة التطويرية يجب أن تراعي أننا مجتمع شرقي لنا عاداتنا وتقاليدنا الموروثة في لابد أن لا تؤدي بنا إلى منزلق لايحمد عقباه، فقديماً كانت الفتاة تحمل في يدها كتابا وتخبز بيدها الأخرى ولم يؤثر ذلك على مستواها التحصيلي بل وتكون من الأوائل بين أقرانها، كما أن هذه السلوكيات كما أثبتتها البحوث والدراسات تعلم الصبر والمسؤولية في مرحلة مبكرة، وكل ما كان هذا الاصطدام مبكراً كلما كانت هذه المهارات أغنى وأكثر رسوخاً واستقراراً، خاصة عندما تنتقل الفتاة إلى بيت الزوجية.

وعلى ضوء ما سبق أرى أننا يجب أن نُعيد غرس هذه السلوكيات بل وتحفيزها بالمجتمع والمدارس، وأن تكرس المؤسسات المفاهيم الصحيحة لدى الأبناء منذ نعومة أظافرهم، بأن الحياة يجب أن تكون بالتعاون والمشاركة الفاعلة بين الأفراد في الأسرة الواحدة وأن هذه القيم والواجبات اليومية هي من أصول الدين التي حثَّ عليها ديننا الإسلامي مثل بر الوالدين وإماطة الأذى عن الطريق والتعاون على البر والتقوى.

** باحثة تربوية- جنوب الشرقية

 

تعليق عبر الفيس بوك