صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
أولًا وقبل كل شيء، تجد نفسك كما وجد الجميع نفسه في هذه الدنيا التي تعيش فيها ليس باختيارك، تولد ومعك الكثير من الأسئلة الوجودية التي بحاجة إلى إجابات ولا تجد أحدًا يجيبك عليها في مُحيطك.
وتبدأ بالإدراك بأنك ولدت هذا الإنسان الذي لا تعرف سبب وجوده، ولماذا هو كما هو بهذه الملامح وهذا النطق وهذا التكوين، وليس كائناً آخر أو إنساناً آخر في زمن آخر؟ وتتساءل لماذا ولدتُ هنا في هذا البلد وفي هذا التوقيت وفي هذه المدينة ومع هذه العائلة، ومتحدثًا هذه اللغة ولماذا هنا وليس هناك؟!
لا تجد إجابات شافية لأسئلتك فتتوقف عن الأسئلة، حتى لا تُرمى بالكفر وتُتهم بالإلحاد ونكران الله، وتحاكم وتعاقب من قبل البشر قبل محاسبتك من الله، لا سيما وأنَّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" والآية نفسها بحاجة لسؤال يسأل من أجل تفسيرها الحقيقي، فما هو المسكوت عنه من الأسئلة التي لا يُسأل عنها في الدين؟ أم كل الأسئلة الوجودية الغامضة علينا والتي تتحدث عنها الأديان الأخرى بوضوح ويدلي مفسروها بإجاباتهم وأفكارهم التي لا تناسبنا وليست منَّا، فلماذا لا نتصدى لتفسيراتهم الوجودية، أليس مقارعة الحجة بالحجة، أم ندفن رؤوسنا في الرمال؟! وهل أنت إذا سألت من أجل المعرفة والتنوير وتقوية الإيمان وزيادة اليقين واطمئنان القلب، وهدوء النفس ومعرفة الحقيقة الإسلامية الواضحة فإنِّه يعد من الدخول في المحرمات شرعًا بناءً على الآية "لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ"، وأي أشياء؟! أم كل الأشياء التي لا أحد انبرى بإجاباته الشافية لها!
حين تسأل ولا تحصل على إجابة أو كل الإجابات غير مقنعة تستمر في الحياة حسبما وجدت نفسك عليه مُتلبسًا حالة الضياع وعدم الفهم، كما أنت، فمثلًا: لا تعرف لماذا خُلقت تعيسًا أو سعيدًا، جميلًا أو قبيحًا، ذكيًا أو لا تتمتع بالذكاء، غنيًا أو فقيرًا، صحيحًا أو مُعوقًا، ولا أحد يخبرك الحكمة من ذلك ويسيرك كبرياؤك يزين لك حظوظك رغم قلتها وتقول "الحمدلله الذي فضلنا على كثير من خلقه"، وبهذا الشكر تخفف من وطأة الحياة عليك، وتعيش رغمًا عنك في هذه الحياة التي لا تنتظر أحدًا ولا تتوقف في حركة أيامها المتتالية ودورانها المتتابع أبدًا إلى قيام الساعة. تسير في دروبها بحلوها ومرها، وتجد نفسك فرحًا سعيدًا أحيانًا وأحيانًا تجد نفسك شقيًا تعيسًا، وأحيانًا وقحًا وأحيانًا لطيفًا، وأحيانًا تجد نفسك مظلومًا وأحيانًا ظالمًا وأحيانًا مُحسنًا وأحيانًا مسيئًا، وأحيانًا ممتلئا وجودك بالحضور القريب من قلبك، وأحيانًا وحيدًا لا أحد يواسيك في ألمك ووحدتك. ولا تعرف من تكون كإنسان نابض بالحياة، وما هو موقعك في هذا الكون، ولماذا أنت؟ ودوامة الغيبيات تلتف حولك لا تعرف بدايتها من نهايتها. وتتساءل بينك وبين نفسك لماذا أتيت؟ فلست معمرًا الأرض ولا تؤدي العبادات حقها، ولم تطلب دخول امتحان الثواب والعقاب الإلهي ليعاقبك بالنار إذا فشلت أو يكافئك بالجنة إذا نجحت.
إذن ما الحكمة من وجودك؟!
وإذا ما كانت هناك حكمة فلا تراها ولم يخبرك أحد عنها، وأنت هذا الإنسان الأرضي المسكين في هذا الكون التي تتقاذفه الأقدار الخفية "وَما تَدْري نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وَما تَدْري نَفْسٌ بِأيِّ أرضٍ تَمُوتُ" ومن كل نحو وصوب تتناهش الإنسان الأمراض وتدمره الحروب وتنفيه الهجرة، ويجوعه الفقر، ويجمد فكره الجهل بالأشياء. جاء كما جاء وكما جاء سيرحل. والأسئلة ممنوعة.
هذه ولادته وهذا موته، أم هذه الولادة جاءت عشوائية ولا دخل للإله بها، ولا يدري عنها من قريب أو بعيد بل هو... هم الذين يتحدثون باسمه نصبوا القواعد والسنن لتحقيق مصالحهم ورفع مكانتهم ومنعوا الأسئلة حتى لا تتفتح الأذهان على الحق الإلهي الكائن، وفسروا الآيات حسبما يريدون لها من تفسير، ورحلوا كما رحل من جاء من بعدهم.
وتستمر في هذه الحياة دون الإجابة على أسئلتك لأنه قيل لك لا تسأل، فالأسئلة ممنوعة، وإذا تم منعك بالعموم من السؤال وصودر منك حق المعرفة، فمتى تعلم؟ ومتى يطمئن قلبك؟ ومتى تتنور؟!
كل واحد قصته في هذه الحياة لها بداية ونهاية، حركة وسكون، قوة وضعف بمقاييسه، ولكل واحد ظروفه في هذه الحياة ومعاناته المعلنة والمكتومة، وكلما كبر وتقدم في العمر تزداد الحياة تعقيدا وتزيد المعاناة في نقص الأموال والأنفس والابتلاءات من كل حدب وصوب.
وفي نهاية المطاف- والذي يسلم من أمراض ومصائب الدنيا المهلكة المميتة- يأتيه ما لا مفر منه الكهولة والشيخوخة والعجز، فيضعف عقله ويخفت صوته وتقل حركته ويموت كما يموت النمل.