الروس يحكمهم هدوء الواثق!

 

حمد بن سالم العلوي

أمريكا والدول الغربية يريدون أن يصوّروا كل شيء ضد روسيا، فقالوا إنَّ الروس سيحتلون أوكرانيا في بضعة أيام، والروس لم يقولوا ذلك ولم يحددوا فترة معينة، وهم- أي الغرب- يعلمون أنَّ المسألة ليست نزهة بالسيارة أو الطائرة، ثم يلحقون القول قولًا آخر مفاده أن الروس فشلوا في مُهمتهم، وبذلك قد فسروا بطء التقدم في المعركة، وقد حوّلوا هذا التمهل لكي يصب في الحرب النفسية التي يشنونها على روسيا، ونسوا أو تناسوا عمدًا، أن الأمريكان ومعهم 60 دولة يوم اجتاحوا العراق، ظلوا أكثر من ثلاثة أسابيع حتى دخلوا محافظة البصرة وحدها، رغم أسلوبهم التدميري في الحرب، واستخدام اليورانيوم المنضب والمحرم دوليًا، علاوة على أن العراق كان منهكاً بالحصار على مدى 10 أعوام سابقة، وليس لديه من يمده بالسلاح كما يفعل "الناتو" اليوم مع أوكرانيا، وإن أوكرانيا كانت تتهيأ لمثل هذا اليوم، بل الأخطر من ذلك كانت تعد العدة لتكون رأس حربة لحلف الأطلسي في الحرب على روسيا.

الروس يدخلون أوكرانيا بعقيدة مختلفة عن عقيدة الغرب؛ فالغرب يدخل الحروب وفي عقيدته القتل والتدمير، وإنهاك الخصم حتى لا تقوم له قائمة لأربعين سنة قادمة، والدليل مشاهد اليوم في العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا واليمن، وقبل ذلك في اليابان وفيتنام، وغيرها من بلاد الدنيا حيث وطئت أقدامهم، كمحتلين ومدمرين للحجر والبشر.

لكن روسيا بقيادة الزعيم فلاديمير بوتين، عقيدتها تقوم على استئصال أنياب الأفاعي البشرية، وطرد الأشرار من النازية؛ لذلك تقوم بمحاصرة المدن، وتفتح ممرات آمنة للمدنيين للخروج من ساحات العمليات، وحتى إن بعض المدنيين يهربون باتجاه الجيش الروسي؛ لأنهم يشعرون بأمان أكثر في جانبهم، كما إن الروس يطلبون من الجيش الاستسلام والنجاة بالنفس، وقد وجدوا تجاوبًا من حرس الحدود، وكذلك أسطول البحر الأسود؛ حيث غنموا سفن الأسطول سالمة وفارغة من المقاتلين، إذن؛ فإن الروس لا يريدون خلق ضغائن وثارات، وبغض مع جيرانهم من الأوكرانيين، لأنهم ينشدون التعايش السلمي معهم، وذلك بعدما تضع الحرب أوزارها.

لذلك السرعة في دخول المدن، حتمًا ستخلف خسائر مادية وبشرية من الطرفين، وروسيا لديها قوة كبيرة من راجمات الصواريخ التي بمقدورها أن تحرث الأرض حرثًا، إن هي أرادت النهج الغربي في حربها، ولكنها تترك السرعة أحياناً للصواريخ "فرط صوتية" للمعالجات الجراحية في بعض المواضع، ولترهب بها الغرب المتخلف عن قوتها العسكرية، وهي المتقدمة في الجوانب التقنية بفارق كبير جداً، قد يقدّر بعقود زمنية كثيرة بين الفريقين.

وليس ذلك وحسب؛ وإنما روسيا التي تتقدم بخطط محسوبة بدقة كبيرة، تفعل ذلك وهي تعلم كلما طالت الحرب، يشقى الغرب أكثر وأكثر، وتزيد من تشظّيهم وانشقاقاتهم وتذمر شعوبهم، فإلى اليوم ليس هناك من أخبار على تأذي الشعب الروسي من غلاء في المعيشة، أو تدنيّ في خدمات وقود السيارات وغاز الطبخ، أو انقطاع الكهرباء، أو شح في المواد الغذائية، كما هو حال الناس في أوروبا وأمريكا، والقادم عليهم أشد، وذلك حسبما يرى الخبراء في السياسة والاقتصاد، وروسيا التي هي في حرب فعلية مع حلف الأطلسي وأمريكا، وذلك من خلال دولة تشبه إسرائيل في وظيفتها ألا وهي "أوكرانيا"، ومع ذلك فإنَّ روسيا لم توقف إمداد الغرب من النفط والغاز، ولو فعلت ذلك، لتدهور اقتصاد أوروبا في ساعات قليلة.

ونقول هنا للذين يظنون أن أمريكا والغرب، قدر إلهي على هذا الكون ولا مفرّ منه، فقط صبركم مع الأيام، وسيتضح لكم أن للظلم جولة، وللحق ألف جولة وجولة، وأن الأمور تجري بتقادير ربانية، فيسلط الله من يشاء على من يشاء، وليست برغبة الطغاة وقدراتهم المادية، "وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" وهذا أمر أخبرنا به الله، وسيقول قائل: ولكن ذلك ورد في المؤمنين وليس في الروس، فنقول لهذا القائل؛ وهل كان الغرب وأمريكا من أولياء الله الصالحين عندما كانوا يغزون بلدان المسلمين، ويدمرون ويقتلون وينتصرون.. وهم ظالمون؟! أم لأنَّ الله يمد لمن كان في الضلالة بقوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} (مريم: 75).

إن كل من كانت له مظلمة أو ضغينة مع الغرب، ستجده اليوم يُناصر روسيا بقوة، ويتمنّى لها النصر، عدا أولئك الجبناء وبعض العلمانيين، وخاصة المُفتين بغير حكم الله، وقد سبق وأن صفُّوا مع اليهودي الأمريكي زبيغنيو بريجنسكي رئيس الأمن القومي الأمريكي "الأسبق" وصاحب مشروع "الجهاد في أفغانستان"، فإن بقايا تلك الطُغمة من المنافقين، سيظلون يدعمون أمريكا على الظلم واستعباد حقوق الآخرين.

هناك ملاحظة بدأت تتكرر لي وأنا أتابع بعض المحللين العرب في الغرب، فلاحظت أن عرب شمال أفريقيا، أقل انحيازًا للغرب وأمريكا في تحليلاتهم، وأكثر منطقية وإنصافًا ومصداقية، أما بعض المهاجرين من دول المشرق العربي، فيبدون في تحليلاتهم تحيزًا واضحًا تجاه الغرب، وخنوعًا فاضحًا وعداوة فجة ضد روسيا والصين.

إذن؛ نحن بانتظار ولادة نظام عالمي جديد، على يد روسيا البوتينية، وفرملة قوية تُوقف الظلم والاستبداد حول العالم، وأن القوة العسكرية والحكمة الروسية، ستحدثان توازنًا دوليًا راجحًا، وقرارات أممية مُحترمة من قبل الجميع، وقانون دولي يطبقه ويحترمه الجميع، بما فيهم إسرائيل وأمريكا، اللتان ظلتا لعقود كثيرة خارج السياق الدولي، وليس على الضعفاء وحدهم دون سواهم، وهناك رؤية جديدة حول قانوني "جستا وقيصر" وجرائم كان متسترًا عليها ستظهر بوضوح إلى العلن، بعدما أنفلت عقد الصمت، والاحترام المتبادل بين روسيا والغرب.