مضمار رزات يُعيدُنا لأيام الفرح

 

علي بن سالم كفيتان

 

هل يعود الفرح إلى ظفار؟ بعد أن فقدت فلذة كبدها ورح نقائها السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- نعم عادت المناسبات السعيدة إلى مضمار رزات؛ حيث صالت وجالت الخيول العربية الأصيلة وسط حضور جماهيري بهيج هو الأول من نوعه منذ رحيل القائد الرمز، وهنا يجب أن نشكر مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على الأمر السامي الكريم بإقامة مضمار رزات في وقت قياسي ورسم لوحات الفرح مجددًا في أرض الجنوب، ومثلما خص جلالته- أبقاه الله- اللقاء الأول له مع مشايخ ووجهاء عُمان من ظفار، ها هي تحتفي بالفرح والأمل بعد انجلاء غمة الوباء؛ فظفار مثلت دومًا الفأل الجميل لكل شبر من تراب هذا الوطن الغالي.

سيعود الأمل من جديد لكل ربوع بلادي، وستنجلي الهموم والمحن، مع زوال الوباء وتحسن الظروف المالية، وكما قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: "الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ". لقد منحت العاديات للتراب الخصب وشمس الغروب على قمم النخيل وتدفق فلج رزات، معنى آخر للحدث، لقد عاد صهيل الموريات إلى ظفار بعد انقطاع، واستمتع الصغير والكبير بالمناسبة، فحضر المشايخ والأعيان والعامة؛ لأن الحدث كان بأمر سامٍ لعودة الاحتفال ونسيان الألم والفقد ورسم تباشير المكرمات السلطانية، بعد أن مرت السنين العجاف إلى غير رجعة إن شاء الله.

عند الحديث عن الخيول لا يسمح لي المقام أن لا أذكر مرباط التي مثلت عاصمة ظفار في عدة عهود، واشتقت اسمها من مرابط الخيول، التي كانت تعج باسطبلات التجار هناك تحت بيت بن سيدوف (الذي سقط أمام أعين الجميع للأسف). وعلى مقربة من الفرضة القديمة وليس ببعيد عن حصن مرباط الشهير، مرت آلاف الخيول الجامحة إلى السفن التي تمخر عباب المحيطات إلى الهند والصين وأمريكا وإلى كل حضارات الدنيا. ما زال جبل سمحان يحتفظ بصدى الصهيل وصيحات المنادين، وما زالت السماء تحتفظ ببريق السيوف ولمعان الخناجر في أيدي الرجال الذين دافعوا عن حاضرة الشرق الظفاري على مر العصور، فلم تسقط مرباط؛ بل ظلت تحتفظ بكبريائها المتكئ على جبل سمحان الشامخ، واستمد رجالها وشيوخها بأسهم من زئير نمورها التي لا ترحم، بينما ظلت اللبانة هي ملهمة النماء وباب الرخاء وعنفوان التاريخ لمرباط وظفار، ولكل شبر من عُماننا الغالية. هنا ارتبطت الخيول الأصيلة بالنمر العربي واللبان الظفاري، فشكل الثالوث الجميل لأرض الجنوب الخالدة.

ذكرتنا المناسبة بسيّد عُمان وباني نهضتها السلطان الراحل- طيب الله ثراه- فرزات تعني الكثير لكل من يعرفها؛ فهي الحقل الظليل والساقية التي لا تهدأ، وهي بيت المعمورة العامر، كل تلك المقامات خلّدها القائد الراحل- عليه رحمة الله. هناك، كان يتجمع النَّاس للحديث إلى السلطان الراحل دون وسيط، فيقف الموكب لسيدة أو رجل عجوز أو شاب يحمل رزمة أوراقه باحثًا عن المُستقبل، وعلى الفور الأمر يأتي سريعًا دون إبطاء أو تهاون. من هنا كان الحدث مهمًا، وكانت الذكريات عظيمة لكل من حضر المناسبة، وكانت اللفتة كريمة من المقام السامي- أيده الله- فالكل استبشر بعودة الفرح وفك الكرب وقضاء الحاجات؛ فالخيول تجلب الخير، والجميع في هذا الوطن مستبشرون بعودة الأمل لروح الوطن على يد مولانا جلالة السلطان هيثم المفدى- أيده الله-.

مثل هذه المناسبات تعيد الشعور الجميل وتحيي روح التفاؤل؛ فالإنسان جُبِل على الفرح وهي فطرة إنسانية منذ بدء الخليقة؛ فالحزن استثناء، وكذلك الفقر والمرض، بينما الفرح هو الحلم الجميل الذي يغمض عليه كل إنسان ويستيقظ سعيدًا. ورغم كل التحديات والصعاب يخلد الجميع على أمل أن يكون الغد أفضل من اليوم، ولا شك لدينا أن القائد يعلم معاناة الشعب في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها بلادنا وبقية شعوب العالم، ولا شك كذلك أنه يستمع بعناية لتزايد نبضات قلوبهم الفرحة بتعافي الاقتصاد وانتظارهم لحصاد وفير، بعد أن عاشوا سنوات القحط تلك بصبر وجلد، مقدّرين ظروف المرحلة وصابرين على تعديل المسارات التي رسمها جلالته- حفظه الله- فقد عوّدهم "أعزّ الرجال وأنقاهم" على سيل المكرمات وعظيم السجايا والصفات، عندما تحل غيمات السماء، وتخضر الأرض، ويعود النماء للبقاع الطاهرة من عُمان.

حفظ الله بلادي.