التسول.. ناقوس خطر

 

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

 

كتب عدد من الكتاب عن ظاهرة التسول، وسوف أكتب معهم موجهاً سؤالي إلى الجهات المختصة، أين أنتم من هذه الظاهرة؟ وهل هناك عقوبات صارمة على المتسولين الذين يزعجون ويحرجون الناس في الشوارع والمجمعات التجارية والأسواق وعند محطات تعبئة الوقود ووصل بهم التسول لطرق أبواب المنازل؟ الجميع يدرك أنَّ هناك قوانين تخالف المتسولين ولكن هل تطبق عليهم واقعياً وبصرامة؟

التسول جريمة وظاهرة منتشرة وعمل محرّم إذا كان المتسول يسعى من هذا العمل للكسب السهل والسريع وبلا جهد كبير، وندعو مؤسسات الدولة إلى حفظ المجتمع من هذه الظاهرة التي تعد دخيلة على المجتمع العماني المتعاون والمتكاتف اجتماعيًا؛ حيث إن الفقر والحياة المعيشية الصعبة لا تستدعي التسول خاصة من أولئك الشباب القادر على العمل. وشخصيًا أنصح كل متسول شاب يطلب مني مساعدة بأن يبحث عن أيِّ عمل ولا يقول قائل: لا توجد أعمال، فمن يُريد العفاف والستر فالرزق موجود في كل موقع والعمل أي عمل أشرف وأبرك من التسول. الأسواق مفتوحة ويباع فيها كل شيء، والصحابة الكرام عندما وفدوا إلى المدينة المنورة في الهجرة لم يرضوا أن يقوم الأنصار بتقديم العون لهم رغم استحقاقهم ورغم فقرهم؛ حيث تركوا كل أموالهم في مكة؛ بل سألوا عن السوق وذهبوا للعمل.

ألم يسمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه"، وقال الحبيب المصطفى "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود، كان يأكل من عمل يده"، والمولى سبحانه وتعالى يقول ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ (الملك: 15) فرزق الله متاح يحتاج من يبحث عنه فقط.

وبلدنا الحبيبة عمان تتوافر فيها الأرزاق، لكن واقعنا للأسف الشديد يعج وتنتشر به آفات متسولة من المواطنين وعدد من الجنسيات المُختلفة، وتعدى الأمر التسول العادي ووصلوا لحد قرع أبواب المنازل، وتحين فرص فتح الأبواب للدخول والخروج من المنزل، فمنذ أيام بسيطة وحينما كنت أهم بالدخول إلى منزلي إذا بسيارة كانت تتجول في الحارة وعندما لمحت فتح الباب انطلقت باتجاه منزلي وإذا بمتسولة كبيرة في السن تطلب مني مبلغاً من المال بحجج واهية، وقد توجست وتوجس أولادي من هذا الأمر، فتكراره سوف يشكل مصدر قلق لنا ولأطفالنا، وربما هناك حالات حدثت لآخرين فالمتسولون يبتكرون حيلا وأساليب عديدة في سبيل جمع المال.

أن يصل المتسولون إلى أبواب المنازل فهذا له مخاطر أمنية لا تُحمد عقباها، وربما تحدث فيما بعد حالات سرقة أو تهجم على أصحاب المنازل خاصة الأطفال، وهذه الظاهرة لا يمكن القضاء عليها مع وجود التساهل الواضح من قبل الجهات المعنية والتي تتحمل المسؤولية إلى جانب تحمل المواطن المتساهل معهم جزءًا من هذه المسؤولية، لكن الحِمل الكبر يقع على الجهات المعنية؛ فالمتسولون يتسولون في مواقع يعرفها القاصي والداني، خاصة عند محطات تعبئة الوقود، وفي مواقع البنوك وأجهزة السحب الآلي، ولا تخلوا المساجد من وجودهم أيضًا، ويبتكرون أساليب عدة وطرق ملتوية ويظهرون في أثواب الفقراء والمساكين، ونحن نعترف بأن هناك فقراء ومساكين، ولكن الحكومة والجمعيات الخيرية- ولله الحمد- تقوم بأدوار كبيرة في هذا الجانب، والعماني عُرف عنه تعففه وعزته وحفظ كرامته، ولا نقبل أن ينزل إلى مستوى المتسولين مهما كلَّف الأمر. وعلى الجهات المعنية متابعة المحتاجين وأصحاب الحاجة وهذه التوصية لم تصدر مني أنا وإنما من قائد البلاد مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي وجه المسؤولين في لقائه الأخير بقصر العلم العامر بمراعاة غير المقتدرين في مختلف جوانب الحياة.

إنَّ هذه الظاهرة تحتاج إلى وقفة صادقة من قبل الجهات المعنية بهذا الأمر، ولن نقضي عليها إذا ما كان التساهل والتطنيش والتغافل من قبل القائمين، بل سنرى تزايد حالات كثيرة ورمضان على الأبواب وسنرى المتسولين يجوبون الشوارع والحواري والقرى بلا رادع، علماً بأن هناك شركات متخصصة للتسول تستغل هؤلاء في كسب المال السهل، ودمتم ودامت عمان بخير.