غياب أو تغييب الأدوار

 

وليد بن سيف الزيدي

سبق وأن نُشر مقال لي بعنوان "الغزو" في جريدة الرؤية العُمانية وكان ذلك قبل ثلاثة أسابيع من اليوم تقريبًا. وكنت قد قصدت بهذا العنوان غزو الأفكار والقيم الدخيلة على مجتمعاتنا العُمانية والعربية والإسلامية والتي لا تتوافق مع القيم والأعراف المستمدة من ديننا الإسلامي. وقد وصفتُ هذا النوع من الغزو بالغزو الشرس ولكن لم أتطرق في حينها إلى ذكر أمثلة على هذا النوع من الغزو؛ وذلك باعتبار أننا نراه ونسمعه من خلال مواقف الحياة المختلفة.

ولكن اليوم أصبح هناك مثال حي ومن واقع الحياة وكان قد حصل في الفترة القريبة الماضية من اليوم وفي مكان ليس من الجيِّد أن يحصل فيه ما حصل؛ وذلك كون هذا المكان مصدرا لغرس الأفكار والقيم والمعارف الحميدة حاله حال ما يحصل في المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية من الغرس الأصيل في نفوس وعقول الأبناء. وهذا دليل ومؤشر خطير على هذا النوع من الغزو على المجتمعات كونه حصل في مثل هذا الفعالية الثقافية. فكيف ستكون الأفعال والأقوال الصادرة من نفس هذا النوع من الأبناء ولكن في مكان بعيد عن الفعاليات والأنشطة الثقافية والتعليمية؟

إذن بهذا يكون من المتوقع أنَّ البعض منكم أيها الإخوة الأعزاء تتفقون معي في وصف هذا النوع من الغزو في القيم والأفكار بالغزو الشرس.

طيب.. فما هي هذه الفعالية التي تقصدها والتي حصل فيها هذا النوع من الغزو في القيم والأفكار؟ ولماذا لا تكتب وتتحدث عنها بشكل أكثر تفصيلًا وصراحة؟

نعم.. إنَّ الفعالية المقصودة هنا هي الفعالية الثقافية لمعرض الكتاب الدولي في العاصمة العُمانية مسقط. وكوني لماذا لم أتحدث عن تفاصيل هذا النوع من الغزو؛ وذلك من باب الاحترام والتقدير للأهداف التي وضعت من أجل هذه الفعالية الثقافية، وكذلك من باب الجهود التي بذلت من أجل تعزيز وتمكين المعرفة والثقافة بين الأفراد والمجتمعات في وطننا العزيز. كما أن الحديث عن تفاصيل ما حدث ليس مهمًا مقارنة بما تم الكشف عنه من آثار هذا النوع من الغزو على أبنائنا ومن ثم العمل الجاد على معالجته والتصدي له.

فكيف يتم معالجة هذا النوع من الغزو والتصدي له؟ ماذا تتوقعون أن تكون الإجابة؟ وكم نحتاج من الزمن حتى تتم المعالجة؟ وما الشروط التي يجب أن تتوافر في الأفراد والمؤسسات من أجل المعالجة؟

صدقوني إن معالجة هذا الأمر من السهل التعامل معه وإن كان الأمر لا يمكن أن يتحقق في يوم وليلة، وذلك من خلال تفعيل الأدوار الحقيقية لكل من له علاقة بتربية ورعاية وتعليم الأبناء، بداية من الأم والأب اللذين يعتبران الجزء الأهم في منظومة معالجة هذا النوع من الغزو؛ وذلك بحكم بقاء الأبناء فترات طويلة بين والديهم وقدرتهما الكبيرة على التأثير عليهم. وحتى يقوم الوالدان بأدوارهما الحقيقية في التربية والتعليم يجب أن يتم مراعاتهما من الجهات المعنية وذلك من خلال توفير كل ما يلزمهم من معينات الاستقرار والأمن الأسري من مسكن ومأكل ومشرب. مع الإشارة إلى أن توفير الاستقرار الأسري يأتي بعد إدراك الوالدين المقرون بالخوف من الله سبحانه وتعالى في القيام بأدوارهما الحقيقية في تربية وتعليم ورعاية الأبناء المستندة على تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

ونفس الكلام يُقال لأئمة المساجد من حيث إدراكهم عظم المسؤولية والخوف من الله في أداء الأمانة الموكلة إليهم في المقام الأول، ومن ثمَّ ضرورة توفير معينات الاستقرار والأمن الأسري لهم حتى يستطيعوا القيام بأدوارهم الحقيقية في تربية وتعليم الأبناء ونقل علمهم وقيمهم وأفكارهم الحميدة إليهم من خلال حلقات العلم والذكر ومراكز تحفيظ القرآن الكريم داخل المساجد.

وهكذا يكون الحال لدى المعلم وأستاذ الجامعة وواضعي المناهج والمقررات الدراسية في المدارس والجامعات، وكل من له علاقة بتربية وتعليم الأبناء والأجيال المتلاحقة والذين سيُعتمد عليهم في الزمن القادم في القيام بأدوارهم الحقيقية من عمليات البناء والغرس الأصيل في الوطن العزيز عُمان.

نعم.. هل غياب الأدوار أو تغييبها يكون فقط في مجال حدثينا هنا؟ هل هناك فرق بين مصطلح غياب الأدوار أو تغييبها؟ فما هو؟ هل هناك مجالات أخرى قد غابت أو غيّبت أدوارها في خدمة الفرد والمجتمع والوطن؟ ما هي؟ ولماذا لا يتم معالجتها؟    

والله الموفق.

تعليق عبر الفيس بوك