إدارة المخاطر في المشاریع الهندسية والإنشائية

 

أنور بن خمیس العريمي

alaraimianwar@gmail.com

 

تتميز المشاریع الإنشائیة والعقود الهندسیة عن غيرها من العقود الأخرى، بطول مُدتها وتراخي أعمالها؛ نتیجة اختلاف وتعدد مراحلها، بدایةً من دراسات الجدوى للمشروع وتجهیز التصامیم الأولیة والتفصیلیة، مرورًا بطرح المُناقصات وإسنادها، ومن ثمَّ التنفیذ، والذي تنجم عنه أخطاء وظروف تؤدي إلى حدوث مخاطر متنوعة، تؤثر بالسلب في أعمال المشروع؛ بحیث لا تجد أي مشروع إنشائيا أو هندسيا يخلو من تلك المخاطر المتكررة بشتى أنواعها الكبيرة والصغيرة.

ونظرًا لأنه من الصعب بمكان منعها بتاتًا؛ باعتبار أنها من التحدیات التي تواجه المسؤولين في بیئة التشيید ومراحل عملیات الإنشاء ولا يُمكن وقفها بشكل كامل وإنما السیطرة على أسبابها ومسبباتها بهدف التقلیل من الخسائر والأضرار التي تحدثها في المشاریع لذا وجب معرفة مصادرها ومحاصرة مشاكلها بطرق علمیة وعملیة ناجعة، الأمر الذي یؤدي إلى الحد من تلك التأثيرات السلبیة على المشاریع لضمان نجاحها بحسب المخطط له.

 وعرّف بعض المختصين المخاطر الإنشائیة بالآتي:

- المخاطر في المشاریع الإنشائیة هي العوامل التي لها تأثير سلبي على تحقیق أهداف المشروع (Smith 2002).

- المخاطرة هي حالة حدوث انحراف عن خط السير المخطط له فتحدث نتائج غير مرغوبة وغير متوقعة، أي وقوع أحداث مفاجئة على أرض الواقع تحقق نتیجة معاكسة للمخطط لها. (حماد، 2008،16).

ویتبيّن من خلال التعریفين السابقين حدوث هذه المخاطر غالبًا أثناء مراحل عملیات التنفیذ التي من ضمن مسبباتها أخطاء المراحل السابقة للتشیید، كما تُؤثر بشكل سلبي على تحقیق أهداف المشروع الأساسیة، حیث إنَّ الواقع العملي للمشاریع الإنشائیة یبين أنَّ تأثيرات المخاطر غالباً ما يكون بل دائماً بشكل مُباشر على العناصر الرئیسیة الثلاثة التي تقوم علیها المشاریع الوقت والتكلفة والجودة، وبالتالي ینبغي على أصحاب العلاقة مُعالجة تلك المخاطر والتحكم في مصادرها قبل وقوعها.

وكذلك نستنتج أن الاختلافات والأخطاء التي تقع من الأطراف داخل المشروع ینتج عنها مخاطر سلبیة وتصنف بالمخاطر الداخلیة على سبیل المثال الأخطاء في التصامیم والرسومات الهندسیة وطلبات التغیيرات المستمرة في المشروع من قبل المالك واختلاف مواصفات المواد المستخدمة عما هو مُحدد في مستندات المواصفات الخاصة والعامة وكذلك ضعف التواصل وعدم التنسیق الجیِّد بين أطراف المشروع الرئیسیة ومشاكل التمویل الذي یؤدي إلى توقف الدفعات للمُقاولين وأیضاً ظروف موقعیة كوجود صخور جبلیة صعبة ومیاه بكمیات كبيرة واكتشاف كهوف وآثار قديمة أثناء الحفر في منطقة المشروع لم یتم التعرف علیها مسبقاً من خلال عملیات فحص التربة في تلك المنطقة .....إلخ.

أما الأخطار نتیجة عوامل خارجیة متوقعة أو غير متوقعة والتي تحد من تقدم عملیات التنفیذ في المشاریع فمنها العوامل الجویة والطبیعیة المفاجئة الصعبة مثل الزلالزل والأعاصير والبراكين والفیضانات والانخفاض أو الارتفاع الكبير في درجات الحرارة ونزول الثلوج بكمیات كبيرة غير معهودة في تلك الفترة وكذلك ما يحصل من ارتفاع لأسعار المواد بصورة غير طبیعیة نتیجة رفع الدعم الحكومي أو بسبب تغير أسعار تلك المواد في الدول المصدرة أو حصول تضخم للأسعار أو نقص مواد البناء أو تغیير في تشریعات الدولة ...إلخ وتصنف بالمخاطر الخارجیة.

وقد أوردت بعض الإحصائیات أن المخاطر الداخلیة هي الأكثر حدوثاً في المشاریع الإنشائیة بنسبة 65% مقابل نسبة 59% للمخاطر الخارجیة، وأنها الأكثر تكراراً ما یؤكد على ضعف التعاون الفني والإيجابي بين أطراف العقد الرئیسیة (المالك والاستشاري والمقاول) والمشرفين علیه والقائمين على تنفیذه، والذي ینجم عنه تضارب في الأفعال والقرارات وأخطاء وعیوب فنیة ويمكن تلافیها من خلال التعاون البنّاء فیما بینهم والتخطیط السلیم للمشروع، باعتبارهم الأشخاص المعول علیهم في لعب دور أكبر في تجنب مصادر المخاطر ومعالجة مشاكلها وآثارها السلبیة الحاضرة والمستقبلیة من خلال فهم متطلبات المشروع المراد تحقیقها، وكذلك على كافة الأطراف المشاركة في المشروع معرفة التزاماتهم والوعي التام بحقوقهم وواجباتهم المشروعة وفقاً لنوعیة العقد الخاص بتلك المشاریع من أجل الوصول إلى الغایة المنشودة.

وتؤدي إدارة المخاطر دورًا مُهمًا في التحكم بالآثار المترتبة على المخاطر للتخفیف من الخسائر في مشاریع التشیید من خلال محاصرة الأسباب المؤدیة إلى المخاطر بشرط أن یكون تطبیقها باستمرار وبإجراءات صحیحة على مراحل المشروع منذ بدایته إلى أن یتم تسلیمه إلى المالك بصورة نهائیة . وذلك نظراً لما تمر به هذه المشاریع من أمور وظروف جویة وموقعیة سیئة متوقعة وغير متوقعة قبل إبرام العقد وعلى طول مدته، ولذا ینبغي على مدیري المشاریع وضعها في الحسبان منذ دراسة الجدوى على أساس أنها مخاطر مستقبلیة بهدف وضع الخطط والاستراتیجیات للسیطرة علیها ومُعالجتها وقت حدوثها أثناء تنفیذ أنشطة المشروع.

وعلیه تمَّ تعریف إدارة المخاطر بأنها منهج یتعامل مع المخاطر البحتة من خلال التنبؤ بالخسائر المُحتملة والقیام بإجراءات تعمل على تقلیل حدوث الخسائر 50)،2008، حماد).

ولما كانت إدارة المخاطر عبارة عن منهج ونظام للتعامل بجدیة مع المخاطر الإنشائیة فلابد أن تمر تلك المخاطر على مراحل منظمة متعددة كتحدیدها من حیث التَّعرف علیها وإمكانیة حدوثها ومعرفة مصادرها وخصائصها وتحلیلها من حیث نوعیتها وكمیتها من خلال قیاس تأثيرها وترتیبها حسب أهمیتها ومدى تأثيرها على أهداف المشروع وتقییمها من حیث درجة تأثير المخاطر على المشروع وترتیبها حسب أولویاتها من قوة تأثيرها ومدى ظهورها، وبالتالي إيجاد حلول وإصدار قرارات سلیمة معتمدة على مُعطیات حقیقیة واضحة وأرقام صحیحة تبين قوة أثر ذلك الخطر وكیفیة مُعالجته وفقاً لاستجابته لأدوات العلاج والتصحیح الفوریة وقت حدوثه بلا شك أن برنامج إدارة المخاطر له نتائج إيجابیة إذا تم تطبیقه بشكل دقیق واستراتیجي على المشاریع الإنشائیة والهندسیة بهدف الوصول إلى الغایة المرجوة وهي التقلیل من الخسائر المتوقعة والتكالیف السلبیة وكذلك التخفیف من النتائج العكسیة غير المخطط لها وفقاً لبرنامج الجدول الزمني للإنشاء، ولیتم استكمال المشروع ضمن وقته المخطط له وقیمته التقدیریة وجودته المطلوبة.

بالطبع هناك فوائد من تطبیق إدارة المخاطر في هذا المجال بشتى مراحله ومساراته الحرجة وهي كالتالي:

1- التقلیل من الخسائر طویلة المدى وبالتالي التوفير الإيجابي.

2. تحسين مستوى أداء المشروع وزیادة الإنتاجیة.

 3. إنجاز أعمال المشروع حسب المخطط له .

4. عدم تكرار المخاطر ومنع حدوثها مستقبلا.

5. إتمام المشروع حسب أهدافه الموضوعة .

6. إعداد قواعد بیانات بالمخاطر ومصادرها وآثارها وأنواعها وكیفیة معالجتها للرجوع إلیها في وقت الحاجة.

7.  التقلیل من المطالبات والنزاعات بين أطراف العقد.

8. إدارة فعالة للموارد المالیة والبشریة والطبیعیة.

9. المحافظة على المال العام والمصلحة المجتمعیة....إلخ .

 كما يمكن لأطراف المشروع الرئیسیة وقایة المشروع من المخاطر وعلاجها قبل حصولها في المستقبل وذلك من خلال الآتي:

1. تطبیق الهندسة القیمیة على مراحل المشروع.

2. تطبیق برنامج إدارة المشاریع بطریقة احترافیة ومهنیة عالیة.

3 .تطبیق بنود العقد بشكل صحیح ومهني.

4. التخطیط السلیم للمشروع من خلال دراسة الجدوى.

5. مراجعة التصامیم والرسومات الهندسیة ومستندات المناقصة بعد التجهیز.

 6. اختیار نوعیة العقد الهندسي المناسب لاستخدامه حسب نوعیة المشروع المراد تشییده.

7. كفایة مبلغ المیزانیة المرصود لتمویل المشروع في حالة حدوث مخاطر غير متوقعة.  

8. تصحیح العیوب والأخطاء وعلاجها لمنع تراكمها.

9. فحص التربة وإعداد تقریر متكامل عن أوضاع وحالة الموقع.

10.اختیار المقاول المناسب والمهندس الاستشاري الكُفء.

11. تدریب مدیري المشاریع على إدارة برنامج المخاطر.

12. التنسیق والتواصل الجید بين جمیع أطراف المشروع.

وفي الختام.. على المعنیين بإدارة المشاریع الإنشائیة والهندسیة في القطاع الحكومي والخاص تطبیق إدارة المخاطر بصورة مستمرة وفعَّالة على مراحل المشروع المختلفة، لذا من الأفضل أن یكون هناك قسم مختص وفریق مستقل قائم على إدارته، وكذلك على المسؤولين أصحاب القرارات الاهتمام بتطویر هذا المجال بمساعدة التقنیات الحدیثة وأیضاً من خلال تدریب الكوادر المتخصصة على تلك التقنیات وعلى كیفیة إدارة برنامج إدارة المخاطر بطرق منهجیة واحترافیة لما له من فوائد كبيرة ونتائج إيجابیة على أطراف المشروع كافة.

** خبير هندسة مسح الكمیات ومُحكِّم تجاري

تعليق عبر الفيس بوك