ميكافيللي والغش

 

نور بنت محمد الشحرية

يحتار المرء كثيراً عندما يتفكر بمجريات الأمور من حوله، نحن أمة مُسلمة موحدة نهجنا اتباع القرآن والسنة، ولكن الواضح جليًا أن الصراع عند البعض محتدم ما بين تعاليم الدين ونظرية "ميكافيللي".

ميكافيللي "أبو النظريات السياسية الحديثة" الذي حاربته الكنيسة في القرن الخامس عشر ترك للبشرية نظرياته التي عرفت بالمكافيللية والمقصود منها "النفع السياسي" إلا أن نظريته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة "استخدمت لكافة مقاصد الغش والخداع .

الغاية وما هي الغاية التي يقصدها المقال؟ هي رغبات وأمنيات فردية أو جماعية تخدم مصلحة فئة مُعينة على حساب مضرة آخرين والنفس الأمارة بالسوء تتصف بالطمع والأنانية وتقديم المصلحة الشخصية على كل شيء، وإن لم تكن تستطيع الحصول على ما تريد ودون بذل جهد أو لديها الكفاءة والإمكانيات المطلوبة  فما الوسيلة؟

الغش وخداع الآخرين هما الوسيلة، بأن تأخذ ما تريده من جهد آخرين أو تحرمهم منفعة بطرق احتيالية خبيثة. ويبدأ الغش في أبسط مفاهيمه في الكذب على الآباء و الأمهات لحصول الطفل على ما يريد أو ليتفادى الملامة والعقاب .

ثم يكبر قليلا ليلتحق بالمدرسة ويغش في حل واجباته أو في حل اختباراته، من هنا من حجر الأساس، من حيث لا يظن أحد أن سبب تأخر المجتمعات واستشراء الفساد الإداري وتمكن المحسوبية وانتشار عمليات ومعاملات الغش التجاري سببهم كان"النقش الخاطئ على الحجر في الصغر" والنتيجة حتماً ستكون مجتمعا تسود فيه الماديات ويختلط فيه الحابل بالنابل وما عاد "يميز فيه غث من سمين" ولا "حق من باطل"، وإذا بررت الغاية الوسيلة دائماً وصارت نهجا وأسلوب حياة دمرت الشعوب والدول. فالتاجر إذا صوغ لنفسه سبب زيادة الربح غاية وكانت وسائله غير شرعية، والموظف حين يستغل وظيفته أيا كانت مسؤوليته، في تلك الوظيفة ومسماه الوظيفي واستغلوا صلاحياتهم المعطاة لهم للتكسب والتربح الشخصي بطرق غير مشروعة أدى ذلك إلى مخالفة ضوابط الرقابة الإدارية والمالية والتي إن لم تكن محكمة وفاعلة أدت إلى الفساد المالي هذا الفساد الذي صار الحديث عنه مستهلكا جدا لفداحة ضرره على الوطن والمواطن، فبسببه تحول الأموال إلى خارج الأوطان وهلم جرا للتأثيرات الاقتصادية بعد ذلك من ضياع فرص عمل وازدياد عدد الباحثين عن عمل جراء ذلك وارتفاع نسبة الفقر. ويظهر ذلك بتحول الطبقة الوسطى إلى الفقر مما يُؤثر على مستوى استقرار المجتمع المعيشي.

ومما يزيد من تأزم الأمر وتصدع الشق هو قلة الموارد المالية المتأثرة بالعوامل الخارجية، كانكماش الاقتصاد العالمي أو العوامل الصحية المؤثرة والعوامل المناخية كالمنخفضات والأعاصير التي تحدث أضرارا في الممتلكات الشخصية والبنية التحتية لأي مكان أصابته.

إذا ما الحل؟

لو كان الجميع سيُطبق تعاليم الدين لما بحثنا بعيدا عن ما ورد من ضوابط في نصوص القرآن والسنة، لمجتمع آمن ولتوزيع عادل للثروات وللمحافظة على الموارد المالية والبشرية، ولكن الأمر يحتاج لمزيد من التدبر والقوانين الصارمة  لاحتوائه كون  أن لا رقيب على الأنفس إلا الله- جل جلاله- القيام بذلك ليس سهلاً في ظل العولمة الحالية وغزو الآخرين الفكري لمجتمعاتنا التي بدأت بالانحلال الأخلاقي شيئا فشيئا وإن كانت المقاومة موجودة ولكن جيل اليوم ليس هو جيل الأمس فقد ظهرت سلوكيات تظهر حبا كبيرا للمال والشهرة مخالفة لأخلاق وعادات المجتمع العماني المحافظ .

ولكن كيف السبيل إلى الخلاص إذا لم نشعر بالأزمة ونبدأ بالبحث عن المخرج، إن لم نشعر أننا بدأنا بالتفكك وكل ما قد تمَّ إنجازه سيضيع منَّا، ولولا أن فاتورة الإنجاز مدفوعة بالتضحية بالعمر والأرواح والغربة وكافة مشاعر الألم لأجدادنا وآبائنا لهان الأمر!!!

لكنها الخسارة لما قد فات والدمار لما هو آتٍ، نحتاج "حصان طروادة" فكريا؛ بل نحتاج ملحمة وطنية مكملة لملحمة السبعين حين أشرق فجر النهضة، وهو ما فطن له سلطاننا الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مما دعاه إلى إعلان خطة تنموية حكومية عُمانية نص أمر سلطاني بإعدادها في 22 ديسمبر 2013؛ لتكون هي المخرج للأزمة حاملة كافة التطلعات والآمال وقائمة على محاور رئيسية ثلاثة؛ وهي: "الإنسان والمجتمع" و"الاقتصاد والتنمية" و"الحوكمة والأداء المؤسسي" لتشكل رؤية "عُمان 2040" والتي لن نصل إليها إلا بالقضاء على الفكر الذي أباح الوسيلة أيًا كانت للوصول إلى هدف لا ينال إلا بالجهد والتعب والأحقية.

فلنا أن نتخيل أنَّ الرؤية هي آخر طريق على رجل أن يصله حاملا طفله وساندا أبويه على كتفيه ولا يوجد معهم ما يحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء، وعلى أحد جانبي الطريق توجد المُغريات المهلكات التي في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ويساعده على تجنبها من يقفون في آخر الطريق (يمثلون السلطة القضائية والجهات الرقابية)، والجانب الآخر من الطريق مدينة تنمو وتزدهر كلما مضى صديقنا قدما  في طريقه غير آبه بالمغريات، ولكن لا يحق له سكن الجزء المزدهر من المدينة إلى أن يصل إلى خط النهاية، ثم وهو في منتصف الطريق قد عانى ما عانى وكابد ما كابد من متاعب ومخاطر شاهد من أتى من بعده على الطريق ما قطع فيه مسيرة يوم سكن المدينة التي نمت بفضل إخلاصه هو ومن معه على الطريق وبالطريقة نفسها هل سيكمل صاحبنا ومن معه طريقهم.

لذلك تمضي الخطى قدما للوصول إلى الهدف المحدد عمان في مصاف الدول المتقدمة 2040 وفق خطط خمسية مرحلية مكملة لبعضها وما قد تمَّ القيام به إلى الآن بقيادة حكومتنا الرشيدة حقق نسبة رضا عالية بين المتابعين والمواطنين علماً بأن مرحلة البداية هي أصعب المراحل للتغيرات الاقتصادية العالمية التي رافقتها بسبب جائحة فيروس كوفيد ـ19، هو ما يعد مبشرًا في ذات الوقت أنه إن استطعنا تجاوز- مرحلة عنق الزجاجة- فلن يصعب علينا ما سواها من مراحل ونحن لها أهل عُمان بإذن الله.

قسم التواصل والإعلام إدارة حماية المستهلك بصلالة

تعليق عبر الفيس بوك