الحرب مع روسيا.. والعين على الصين!

 

 

د. رفعت سيد أحمد

تأملات في أسرار معتمة للأزمة

 

مع استمرارية الصراع الدامي على الأرض الأوكرانية وإصرار روسيا على تحقيق هدفها الأعلى وهو (نزع سلاح أوكرانيا وتحييدها تماما) بعيدا عن حلف الناتو الذي لم يدَّخر هو الآخر وسعا بفرض عقوبات غير مسبوقة في التاريخ الدولي تستهدف ردع وإيقاف روسيا عن حربها المفتوحة وبتقديم دعم عسكري كبير للجيش الأوكراني ..في هذا التوقيت تتجه الأنظار إلى (الصين) وماذا ستفعل وفي هذه الأزمة والمواقف التي ستتبناها والتي لم تتجاوز حتى الآن الانحياز اللفظي لصالح روسيا وليس المساندة العسكرية المُباشرة؟

وبالمقابل ماذا سيفعل الغرب إن هي تقدمت خطوات وبدأت في المساندة المسلحة لروسيا والأهم في تحقيق هدفها التاريخي بضم (تايوان) إليها مستغلة صراع الغرب مع موسكو ؟.. إن الاحتمالات عديدة والعيون الغربية وبخاصة الأمريكية تتجه بقلق و(طمع) في الوقت ذاته إلى الصين: اقتصادا وثروات وسياسات دولية مغايرة.

فماذا في هذا الملف؟

بداية ماذا يعني الاقتصاد الصيني في هذه الحرب المراد بها تفكيكه وإنهاكه ومعه الاقتصاد الروسي؟ تقول الحقائق عن الاقتصاد الصيني إنه ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة وقد ظهرت بيانات رسمية بأنه قد حقق نموا مستقرا في عام 2021 بالرغم من التحديات بما فيها عودة انتشار جائحة كورونا والبيئة الخارجية المعقدة.

وذكرت الهيئة الوطنية للإحصاء في الصين أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ارتفع بنسبة 8,1% على أساس سنوي إلى 114.37 تريليون يوان (نحو 18 تريليون دولار أمريكي) العام الماضي. وأوضحت البيانات أن نسبة النمو هذه كانت أعلى بكثير من هدف الحكومة وهو " فوق 6%"، وجعلت متوسط النمو خلال عامين 5,1%. وفي الربع الأخير من عام 2021، توسع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 4% على أساس سنوي. وذكرت الهيئة الوطنية للإحصاء أن الاقتصاد الصيني واصل انتعاشه المستقر في عام 2021، وقاد العالم في كل من التنمية الاقتصادية ومكافحة الوباء، محذرة في نفس الوقت من الضغط الثلاثي لانكماش الطلب وصدمات العرض وضعف التوقعات وسط بيئة خارجية متزايدة التعقيد.

واتصالا مع هذا الجانب وقبل حرب أوكرانيا تأكدت معلومات دولية من أن أفق التنسيق بين الصين وروسيا ودول منظمة شنغهاي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي للتخلي عن الدولار. قد بدأت في التصاعد وأنها ستزداد قوة بعد تطبيق أمريكا والاتحاد الأوروبي للعقوبات الدولية على روسيا بعد حربها على أوكرانيا وخاصة عقوبات نظام الـ(سويفت) بالغة الخطورة ..البديل يبدأ لدى روسيا والصين بالتخلي عن (الدولار) في التعامل المالي فيما بينهما ومعهما دول عالمية أخري حليفة وذلك لأنه من الواضح أن بكين لن تدعم أي عقوبات ضد موسكو وستظل شريكة لها.

لكن، ثمَّة سؤال يتولد عن رفض بكين المشاركة في فرض عقوبات على روسيا، هو التالي: هل ستواصل الصين تطوير التعاون الاقتصادي مع الشركات الروسية؟

بحسب سيرجي ساناكوييف مدير المركز التحليلي الروسي الصيني فإن الصين ستوافق بالتأكيد على زيادة التعاون مع روسيا؛ لأن "حزمة العقوبات تنتقل من المستوى الإقليمي إلى المستوى العالمي". وقال ساناكوييف: "في الواقع، أصبح من الواضح الآن أنَّ الغرب، حرّض على هذا الأمر(يقصد الحرب في أوكرانيا) لإعادة ضبط النظام المالي العالمي وفقا لمصالحه. وفي هذا السيناريو، فإن الصين هي التي تقف ضد الغرب وليس روسيا. لذلك، بالطبع، ستساعد بكين قدر الإمكان ليس لضمان عدم عزل روسيا، إنما لضمان أن تؤدي هذه السياسة بأكملها إلى العزل الذاتي للغرب نفسه. وهناك كل المبررات لذلك. يبدو لنا- وفقًا لرأي الخبير الروسي- كأن العالم كله الآن ضد روسيا. لكن في الواقع فقط أوروبا والولايات المتحدة. فهناك أيضاً دول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وسنرى في المستقبل القريب، من سينضم وإلى ماذا؟

من الواضح بشكل لا لبس فيه أن الصين وبقية دول منظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، كلها دول قادرة معا، بتخليها عن نظام بريتون وودز، في الواقع، على تأسيس نظام خاص بها. وبعد ذلك ستكون هناك منافسة بين النظامين. وسيحدد الزمن أيهما أكثر استقرارا. ويبدو لي أنَّه النظام الشرقي".

قد تكون الميزة الرئيسية لهذا التعاون هي الانتقال إلى الدفع بالعملات الوطنية والتخلي عن الدولار.

ويخلص الخبراء الروس والصينيون بعد دراسة مستفيضة لنتائج هذه الحرب إلى أن مزيدًا من التفاعل بين بكين وموسكو قادر على مواجهة عقوبات الغرب خاصة نظام "سويفت".

ومن بين التحديات المهمة التي تجعل العين الغربية- وبخاصة الأمريكية- على الصين هو طموح الصين لضم تايوان إليها مستغلة انشغال أمريكا والغرب بالملف الأوكراني- الروسي.. والحقائق على الأرض اقتصاديا تقول إن العلاقات الاقتصادية التايوانية- الصينية في توسع، وأن الجغرافيا مع الذكاء الصيني يلعبان دورا مهما في هذا السياق. والواقع يقول إن الشركات التايوانية قد استثمرت حوالي 60 مليار دولار في الصين، ويعيش الآن ما يصل إلى مليون تايواني هناك؛ حيث يدير العديد منهم مصانع تايوانية.

وقد أشعل اتفاق تجاري مثير للجدل، حركة "سنفلاور" الاحتجاجية عام 2014، حيث احتل الطلاب والنشطاء البرلمان التايواني، احتجاجاً على ما وصفوه بنفوذ الصين المتزايد على تايوان.

من الناحية الرسمية، لا يزال الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم يفضل الاستقلال الرسمي النهائي لتايوان، بينما يفضل حزب الكومينتانغ إعادة التوحيد مع البر الرئيسي في نهاية المطاف.

وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته الحكومة التايوانية في مارس 2021، أن غالبية التايوانيين يدعمون حاليا نهج حكومة الحزب الديمقراطي التقدمي في "حماية السيادة الوطنية"، ويقول الكثيرون إنهم يشعرون بأنَّهم تايوانيون وليسوا صينيين.

وفي انتخابات عام 2020، فازت تساي بعدد قياسي من الأصوات بلغ 8.2 مليون صوت، الأمر الذي نظرت إليه الغالبية العظمى على أنه ينم بصورة أو بأخرى عن ازدراء لبكين لكن الصين تمكر وتخطط وتستغل الفرص الدولية لضم (تايون) إليها بشكل كامل وقاطع ..ولعل فرصة الحرب في أوكرانيا تسمح لها بذلك وهو ما يخيف ويقلق واشنطن بصفة خاصة.

في هذا السياق يرى- ويفسر- العديد من الخبراء الدوليين أن تايوان تعد أحد مراكز الصراع الحالية والمستقبلية بين أمريكا والصين في منطقتي شرق وجنوب بحر الصين، مشيرين إلى أن واشنطن ترى بحر الصين، بمثابة ورقة قومية استراتيجية متوافق عليها من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في ظل حالة الحرب الباردة بين البلدين، داخل الممرات الحيوية جنوب بحر الصين التي تمر خلالها ثلث التجارة العالمية، بما يقدر بنحو 5.3 تريليون دولار (تتعدى حصة أمريكا منها 25%) مؤكدين أن سعي كل من الصين والولايات المتحدة خلال الأزمة الأوكرانية إلى إثبات كونهما محور توازن، خاصة بعد امتناع الصين عن التصويت لصالح مشروع القرار الأمريكي عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا داخل مجلس الأمن.

إن إشعال حرب جديدة في الصين، وتحديداً داخل بحر الصين الجنوبي، سيكون بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، في وقت لا يحتمل تعدد الصراعات، ولعل تزامن بؤرتي صراع خلال الوقت الراهن، إذا ما حاولت الصين ضم شبه جزيرة تايوان،سوف يربك العالم سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وأمنياً.ولذلك العين الآن على الصين والقلق الأمريكي يزداد ومعه الإسرائيلي الذي يتوقع أن تكون الخطورة الكبرى التي سيواجهها التحالف الغربي وفي قلبه إسرائيل هو الاقتراب الكبير المحتمل بين روسيا والصين والصدام المُتوقع بين الصين تحديدا وبين واشنطن بسبب (تايون) وبسبب قوة الاقتصاد الصيني وهيمنته وتوسعه الدولي ضد الاقتصاد الأمريكي.

الخلاصة هنا أن مستقبل العالم وصراعاته الكبرى مفتوح الآن على كل الجبهات: من موسكو إلى كييف مرورا بلندن وبرلين وانتهاء ببكين!!

والله أعلم..