ثورة الهيدروجين.. الطاقة البديلة

 

محمد بن سعيد الرزيقي

كان للثورة الصناعية والتحول التكنولوجي في مجال الصناعات منذ منتصف القرن العشرين دور كبير في تلوث البيئة بمناطق عديدة من الكرة الأرضية، وانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من المصانع، ووسائل النقل المختلفة، والمكائن المستخدمة في العديد من الصناعات؛ بسبب استخدامها للنفط الأحفوري والغاز في عملها.

ونتيجة لذلك ظهرت مشاكل عديدة سببها تلوث الهواء بهذا الغاز وغيرها من الغازات الأخرى، وكان من أبرز هذه المشاكل ظاهرة الاحتباس الحراري أو ما يسمى بالاحترار العالمي؛ حيث شهد العالم تغيرا في درجات الحرارة، وارتفاعها عن المعتادة، وتمثلت في موجات الحر الشديدة التي عصفت ببعض البلدان، وما خلفته من ضحايا بشرية علاوة عن تأثيرها على بقية الكائنات الحية. وما تبع ذلك من ملاحظة العلماء والمهتمين بالبيئة من أنصهار كتل جليدية في قطبي الكرة الأرضية لم يُشهد مثلها من قبل؛ مما ينذر بخلل في التوازن البيئي وثم حدوث فيضانات في أجزاء كبيرة من العالم، قد تختفي معه مساحات شاسعة من البلدان المطلة على البحار والمحيطات.

إن العالم اليوم يدرك أكثر من أي وقت مضى خطورة التلوث البيئي الذي أنتجته المصانع والتكنولوجيا الحديثة، وبسبب هذا الوعي تتسابق الدول في إنتاج الهيدروجين النظيف؛ فالإضافة إلى أهميته الاقتصادية في دخل الدول، فهو يعتبر صديقا للبيئة لخلوه من الكربون الضار بالبيئة. ولعلك أخي القارئ الكريم يدور في ذهنك بعض الأسئلة عن هذا الغاز مثل، ما هو الهيدروجين الأخضر؟ وهل هو أخضر فعلاً؟ وكيف يصنع؟

في حقيقة الأمر أن الهيدروجين غاز لا لون له؛ وإنما سمي بالأخضر نظرًا لملاءمته للبيئة، وسرعته في تكوين صداقة معها.. ويتم إنتاج الغاز من خلال عملية كيميائية تتم عبر تمرير محلل كهربائي في الماء لفصل ذرتي الهيدروجين عن ذرة الأكسجين، وتخزين الهيدروجين في حاويات معدة لهذا الغرض، هذا الاكتشاف أحدثت ثورة هائلة في إمكانية تخزين كميات كبيرة من الطاقة، وصلاحيتها لفترات طويلة، والاستفادة منها كطاقة نظيفة وبديلة عن النفط الأحفوري، الذي من مساوئه عند احتراقه انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الملوث للهواء.

كما يمكن استخدام الهيدروجين المخزن في الفترات التي يقل فيها تخزين الطاقة المتولدة من الشمس والرياح مثل فصل الشتاء، وفترات الليل؛ حيث إن لها مجالا واسعا في النهار، وفي فترات نشاط الرياح لتخزين الطاقة. وبعكس الطريقة الحالية المتبعة في تخزين الطاقة المتولدة من الشمس، وحركة الرياح تتم في بطاريات محدودة السعة التخزينية، وعند استخدامها تنفد بسرعة، كما لا يُمكن تخزينها لفترات طويلة.

سلطنة عُمان تسعى سعيًا حثيثًا لإنهاء الخطوات نحو إنشاء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين، في المنطقة الاقتصادية بميناء الدقم، من خلال سلسلة من الاتفاقيات والتحالفات العالمية؛ لتحقيق تطلعات الطاقة المتجددة والأهداف الأخرى لرؤية "عُمان 2040"؛ حيث تتمتع بلادنا الحبيبة بكافة الإمكانيات لإنتاج الهيدروجين، الطاقة المتجددة والنظيفة، والصديقة للبيئة.

وختامًا.. إنَّ الاهتمام العُماني بالاستثمار في هذا المشروع  الذي ما زال في بداياته على مستوى العالم، ينبئ عن المستقبل الزاهر لهذه الصناعة في بلادنا، ومن المؤمل من هذه التقنية أن تقلل من تكاليف الكهرباء داخل البلاد، والمحافظة على البيئة نقية خالية من الملوثات، وتصدير الطاقة النظيفة إلى البلدان الأخرى؛ خصوصا في ظل قلة الطلب العالمي على النفط، وتحول الدول إلى استخدام الطاقة المتجددة والبديلة (الهيدروجين) في مصانعها، ووسائل النقل، خصوصا تلك الدول التي لا تنتج الكم الكافي من الهيدروجين من الطاقة المتجددة من الشمس والرياح؛ بسبب الأجواء الباردة، وحجب السحب للشمس في معظم أيام السنة.

تعليق عبر الفيس بوك