خليفة بن عبيد المشايخي
نُؤمن كمُسلمين ومُؤمنين بالله بأننا كنَّا لا شيء قبل خلق كل شيء، وأننا كنَّا عدمًا لا وجود لنا، وأننا كنا في عالم الأرحام أجنة في بطون أمهاتنا، ونؤمن كذلك بأننا خلق ضعيف مصداقاً لقوله تعالى "وخُلق الإنسان ضعيفًا"، وإن هناك هدفًا من خلقنا ووجودنا على الأرض، التي اليوم نحن عليها، وغدا سنكون تحتها وفي ترابها؛ بل سنكون مثله تمامًا تذرونا الرياح.
وكذلك نؤمن أنه (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)، ما يعني أن صلاحية بقائنا أحياء، ستنتهي في أي لحظة حتى يؤتى بغيرنا. ولحكمة أرادها الله تعالى فإنَّ تاريخ انتهاء حياتنا، لم يكتب ويوضح لنا، ولم يُبين لفهمنا حتى لا ننصرف إلى غير ما خلقنا من أجله، وذلك لنبلونكم أيكم أحسن عملا.
إن الآدمي متى ما علم بتاريخ وفاته ووقت رحيله، لا شك أنه سيستعد له قبلا، وسيتزود بالأعمال الصالحة زادًا يعينه على السؤال،عندما يكون وقفوهم أنهم مسؤولون.
وفي هذا أتساءل هل هناك إنسان وآدمي وحي يتوقع أن لا تنتهي حياته؟ قطعاً لا يوجد، وإن وجد فهذا امرؤ غير سوي.
إذن لطالما نعلم علم اليقين، خاصة ونحن مسلمون، بأنه في أي لحظة يمكن أن تنتهي صلاحية وتاريخ بقائنا على الأرض، وأننا سنغادرها مجبرين، فلماذا نتجرأ على خالقنا تبارك في علاه، فلا نأتمر بأوامره، ولا ننتهي عند نواهيه، لماذا لا نكون طيبين وخدومين وكرماء وخيرين.
لماذا نتكبَّر على عبادته كأننا خلقنا أنفسنا بأنفسنا، وكأننا اخترنا والدينا وأصولهم ومنشأهم وأماكنهم وتاريخ ومكان ولادتنا، من منِّا نقا والديه وأصلهم وفصلهم ودينهم ولونهم وعرقهم وحسبهم ونسبهم من، ألسنا عندما رأينا النور وجدنا أمنا فلانة الفلانية، ووالدنا فلانا الفلاني، وأننا في الوطن والمكان الفلاني، وفي البلد الفلانية، وأننا نخص هذا ويقرب لنا ذاك، وأننا من جماعة فلان ومن قوم علان.
إذن لطالما الحال كذلك، أي أننا لم نختر من كان سببًا- بعد الله جل جلاله- في وجودنا كبشر على هذه الأرض، فإنه لا يمكن لعاقل أن يرى نفسه فوق الجميع، ولا يمكن لراشد ولفطن أن يتوهم أنه أحسن من عباد الله، لأن أبوه مثلا فلان الفلاني ولأن قبيلته الفلانية، ومن كان فكره وديدنه هكذا، فهذا جاهل ولو لديه أكبر الشهادات العلمية، أو متبوؤ لأرقى وأكبر المناصب والدرجات العلمية والعملية.
وعليه ينبغي مننا ان ننظر الى انفسنا نظرة شفقة ورحمة حتى لا نغتر ولا نتكبر ولا نتعالى على الناس، ولا تسوقنا الأوهام والأفكار إلى أن نخرج عن جادة الصواب والعقل والمنطق، وبالتالي بسبب ذلك، يصيبنا كبر وتعال وغرور والعياذ بالله.
إنَّ بقاءنا في هذه الحياة الدنيا كما نعلم لفترة محدودة، وإننا سنغادرها لا محالة، وعقب ذلك سنكون في حياة أخرى، فإما حياة فيها خلود بنعيم وراحة وفي جنة عرضها السموات والأرض، أو حياة في مكان آخر، أسماها الله جلَّ جلاله، بمسميات كثيرة ومختلفة، منها لظى وسقر والسعير والحطمة والهاوية وغيرها أجارنا الله منها.
إذن والحال كذلك، فإنَّ مسؤوليتنا على الناس هو تكليف من رب السماوات والأرض قبل كل شيء، فمثلا المسؤول في أي مؤسسة كانت، نجده مسؤولا عن بشر وعن عالم له حقوق، فهل يكتفي ذاك المسؤول أن يمارس عليهم الأوامر والسلطة طبعا لا، ومن يفعل ذلك فهذا الجاهل بعينه، والوظيفة كما قال جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه وتغمده بواسع رحمته، تكليف قبل أن تكون تشريفا.
لذلك حتى نكون عند مستوى وفهم أن هذه المسؤولية، جاءت لنا من رب العزة والجلال كابتلاء وكاختبار، وأنها لم تأتِ لنا لأننا أفضل من الغير بسبب أمور كثيرة، فلا بُد أن نرجع لأصل نشأتنا وخلقنا ونعرف نحن من، أفلا نخرج من مجرى البول أعزكم الله مرتين.
ولهذا أقول إن صلاح المجتمعات ونجاحها، يأتي بالفكر الصحيح والسليم لأي مسؤول، أي ألا يعتقد المسؤول أنه هو الصح والجميع على خطأ، فعليه فمثلا أن يعلم أنه ليس إنسانا كاملا وليس بنفسه يستطيع أن يحقق نجاح وتميز ورقي المجتمع.
لذلك الاستماع للآخرين والإنصات لهم وتقبلهم والوقوف على مطالبهم ودراستها وتنفيذها ما أمكن ذلك، أمر إلهي ورباني، ووصايا ديننا الإسلامي الحنيف، قبل أن يكون نتيجة تواضع منك، لأنه في الأخير أنت ملزم أن تتواضع لغيرك لطالما اختارك الله جل جلاله، لتكون مسؤولاً على رعية وقوم وناس.
لماذا لا تكون هناك برامج في الإذاعة أو التلفزيون يوميا على غرار البث المباشر، تستمع وتناقش ما يكتب وما يقال وما ينشر وما يثار، ويتم الاتصال والتواصل مباشرة بالمسؤول المختص، ويناقش ويسأل عنه مباشرة؟ لماذا لا نعترف بأخطائنا وتقصيرنا وبذنوبنا بين أنفسنا، ونصحح منها ونعدل حتى نصل إلى أن يرضى الناس عنّا؟
نعتقد أنه مهم جدا عدم تجاهل الناس وسماع ما يقولونه وما يريدونه، وأن يكون ذلك بشكل علني، أو بتطبيق وتنفيذ ما يريدون على أرض الواقع مباشرة.