الرموز والقادة روح الأمم

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

ثمَّة صعوبة بالغة في تحديد أسباب القوة والتماسك في تاريخ الحضارات والدول التي كان لها شأن مُميز على مر التاريخ؛ نظراً إلى الكثير من الأسباب والمؤثرات والمُعطيات وحالة كل زمان، وما يؤمن به أهله وما يجعل منه قوة في بقائه وترابطه، وحتى إذا التمسنا طريقاً إلى ذلك فليس دوماً ما يناسب المرحلة والزمان يكون ناجحاً في زمان آخر، ومع ذلك فإنَّ قراءة التاريخ بهدف الاستفادة يعد واحداً من أفضل السبل لتوفير أفضل ما يمكن من معطيات وتسخيرها بالشكل المناسب للزمن الذي نعيش فيه.

اليوم ولو أنَّا أجدنا التمعن في بعض مما بقي شاهداً لبعض الحضارات فسنجد أن البناء المتبقي لعصر الفراعنة وحضارة الأنكا وحضارات ما بين النهرين وحضارات كثيرة أخرى شاهد على مرحلة لا يمكن لأي متعمق في التاريخ، إلا أن يقرها كشاهد على ازدهار وقوة مجتمعات في إطار قوانين وتشريعات ساد من خلالها العدل بقوة القانون ومن شعوب احترمت قادتها ونفذت أوامر أولئك القادة؛ بل وجعلت من رموزها وقادتها مرداً حقيقياً لا حياد عنه، وجعلت من كلمتهم لا نقاش فيها، وجعلتها جانباً مهاباً ورفيعاً لا يُمكن لأي سبب من الأسباب الخروج عن طوعها وأوامرها. ولم يوثق في تاريخ تلك الحضارات دمار أو اختراق من أي عدو مهما كانت قوته، إلا في المراحل التي يختارها الأعداء، وهو الوقت الذي تظهر فيه فئات من البشر تحمل توجهات وأفكارًا تجعل من قوة التماسك ضعفاً يستغله الأعداء، فيدمرون تلك الدول والحضارات، وأول من يدفع الثمن هم تلك الفئة التي اعتقدت أنَّ لديها مشاريع ورؤى أفضل مما عليه دولهم وحضاراتهم، خاصة المعتقدون أنَّهم حماة الفضيلة لوحدهم  وبذلك تكون الدولة أقل مستوى ورفعه وسبباً للضمور والأفول.

الرموز والقادة عندما نجعل جانبهم مُهاباً وقوياً وأبعد من النقد أو التقليل من شأنهم، فهذا وبشكل مباشر ليس لشخصهم، لكن هو لمن قرر رفع شأنهم وهو المواطن لأنَّ الرمز يتحدث بلغة (نحن)؛ أي المجتمع بعمومه متكاملاً، وإن احترام الرموز هو احترام للذات الإنسانية في ذلك الوطن، وكذلك فإنِّه حماية للروح الوطنية وتماسكها، وإن من يقلل من شأنهم فهو فعلياً يقلل من شخصيته، مهما أعتقد أن لديه أفكار قد تكون على درجة كبيرة من احتمال الأفضلية.

كذلك فإن وضع الاحتمالات الفرعية تحمل حلولاً قد لا تساوي شيئاً أمام قيمة الجمع للكلمة وقوتها تحت راية واحدة يسير بها نحو العزة والقوة لمصالحها الداخلية وقوتها بين دول العالم، وكذلك فإنَّ أي دولة تجعل من رمزها شيئاً كبيراً؛ فهي تحقق النجاح في العطاء والإنتاج والبذل من أجل شخصية تستحق ذلك وفي النهاية إن كل ذلك يصب في المصلحة العامة للوطن والمواطن.