عندما تكون جميلًا

 

فاطمة الحارثية

 

كانت لي صاحبة مقربة جداً، وبسبب القرب استطعت أن اختبر مرونة صاحبتي وأبعاد قدراتها، وكنَّا نتجادل كثيرًا في ذلك "فهي لا ترى ما أرى"، ولم تكن مُقتنعة بأنها تمتلك الإمكانيات والقدرة، لم أتصور أنني قد أفقد تلك الصحبة، عند دفعها بقصد طيب لتدرك وتستخدم تلك الإمكانيات لنفع النَّاس، ورغم دفعي الذي قاد إلى بلوغها للمراتب العُليا، واكتشافها لصفاتها وتمكين قوتها، لم تشفع لي النتائج التي لمستها بنفسها لكف أذاها وتحول الصحبة إلى مكائد وعداء ومُقارنات.

قد يُعلم هذا أي إنسان ألا يكشف بواطن النَّاس لهم، ولكني رأيت ولمست جمال نتائج ذلك، ولست ممن يكتم عن الناس خيرهم، ومازلت أحاول فعل المثل للكثير، وإن انتهت العلاقة بالعداء والكيد والضرر، أبقى متشبثة في القصد، الذي يملؤني قوة، ويوجهني نحو عموم الفائدة، وسكينة الشعور بأنني لم ألجم معرفة أو علمًا عن أحد. لذلك عندما يكون القصد جميلا ليس علينا إلا نفض القلق والحزن، والمضي قدماً لنفع العموم دون اكتراث لكم الكيد والحقد والحسد، إنَّ للشجاعة والجرأة طعم يُنسيك الضرر ويُبهجك قبل وأثناء وبعد الإنجاز ويمنحك رؤية الجمال فيما حولك ومن حولك.  

لا أحد يستطيع أن يشق صدر صاحبه ليعلم نواياه، لكن تأخذنا الأفكار الجميلة، وربما الشر المطلق، في اعتقادنا بمن حولنا، ونحن من نغذي أفكارنا بهواجسنا الطيبة أو الظالمة، كلنا نُقنع أنفسنا بحجج نصنعها بوعينا، من أجل صناعة الأعذار وتحفيز الذات نحو الأفعال والأعمال التي نقوم بها، لا يجب أن نستهين بنفس أحد، مهما كانت قناعتنا وظننا به، حتى أنفسنا، فالإنسان طاقة قد تصل مداها أن لا يعلم صاحبها حالها. وربما للبيئة دور مهم في تشكيل كينونة الذات وصقل الغرائز، وتهذيب بدائية البشر، ولا توجد دراسة علمية تؤكد حدوث طفرة دائمة تحول مُتغيرات ردود الفعل والغرائز إلى سلوكيات ثابتة وأكثر نضجًا، لا يمكننا الجزم حول الصواب والخطأ المطلق، كلها قياس نجتهد في أموره، البين لنا هو القصد أثناء الفعل، الضر أو النفع، وعندما تكون جميلا لا تُقلقك النتائج بقدر ما يُرضيك بلوغ النفع أثناء وبعد العمل.

يقودنا ذلك إلى النظر من حولنا، والتمعن حول إقدام بعض الجهات الرسمية على حجب أسماء من اختاروا الشر في مقاصدهم، وضللوا أنفسهم بقناعات انتهكت جمال الطبيعة الإنسانية والسلام الاجتماعي، وسولت لهم أنفسهم السرقة، والاعتداء والقتل، وارتكاب القبح من الأمور، فهذه الجهات قامت بتطويق عمود الاستقامة، والرادع الأكبر في مثل هذه السلوكيات، ألا وهو الإعلان وتنبيه المجتمع عن تلك الطفيليات، التي قد تكون جار أي منِّا أو قريب، هم لم يحموا أهلهم وأتوا فعل السوء، فلماذا يتم حجب هوية تلك الأنفس المريضة؟، لن يتثقف المجتمع في التعامل مع مثل هذه الأحداث، إن لم يبدأ في استقبالها والتأقلم مع كيفية التجاوب معها، ربما في بداية الأمر سوف تكون هناك ردود فعل عنيفة، ولكن النضج الاجتماعي والمجتمعي يحدث بالتجريب والخبرة، لذلك وجب الإعلان حتى يتحقق الرادع المناسب، والخوف من انتهاك حقوق الناس، يجب على تلك الجهات الرسمية وغيرها، إدراك أهمية النضج الاجتماعي، واستقرار المفاهيم والقيم وتطورها الثابت، نحو مصاف الهوية التي نصبوا إليها ونفخر بها.

إن الجمال يكمن في السعي نحو النضج الإنساني والمجتمعي وكل شيء، إننا إن اكتفينا بالعمل من أجل نتائج الفعل نفسه، فإننا نعمل على تحجيم قدراتنا وتطورنا، وطبيعة الأفراد والجماعة لا تتقدم إلا عبر مراحل اكتساب الخبرة، وتمام نضج كل مرحلة لتمكين الانتقال والمضي نحو المراحل الأخرى.  

*****

سمو..

عندما تكون جميلًا، لا تأبه بالشوك؛ لأنه حق يطلقه الزهر والإنسان ليحمي نفسه، استمر وحاول بشجاعة، فلذة الأشياء الحقيقية الدائمة، ليست في القطاف المجاني أو السريع.