عندما يصاب الكاتب بالعجز

 

مدرين المكتومية

ماذا يفعل الكاتب عندما يُصاب بعجز الكتابة؟ كيف يخرج من سلطة الحروف المُعقدة، والصفحات البيضاء إلى العالم الرحب والأكثر شساعة واتساعاً، بالطبع يجد نفسه يبحث عن "كلمة" تقفز أمامه من بين باقي الكلمات لتكون هي مفتاح الأسطر التي سيكتب بها ما يُريد كتابته، لكن كيف يُمكن لكاتب كما جرت العادة أن يمارس مهامه الكتابية تحت ضغوط نفسية وأخرى عملية؟

بالطبع يمكنني الإجابة على ذلك بكلمتين هما "غواية الكتابة" فالكتابة كالسحر، هناك من يظل سجين تلك العادة ولا يمكنه أن يتركها، وفي جانب آخر أكاد أجزم بأن الكتابة الحقيقية هي وليدة المُعاناة، فبالحد الذي يُعاني فيه الكاتب، يبدع في طرحه، أو مدى اهتمامه بشأن مُعين يجعله يقدم مادة دسمة للقارئ.

إننا عندما نختار أن نكتب، نحن بالتأكيد نهرب من الواقع إلى العالم الآخر، العالم الذي نجد أنفسنا فيه صادقين وحقيقيين وبطبيعتنا، فحن نكتب في الوقت الذي نجد أنفسنا فيه غير قادرين على مواكبة العالم المتسارع من حولنا، نكتب عندما نجد أننا غير قادرين على المضي، هناك شيء ما يقف عائقاً أمامنا، فالهرب والخروج من تلك الحالة يتطلب فضفضة بين الكاتب وأوراقه، وبين الحروف والكلمات، ولابد أن نختار دائماً أنفسنا عندما نكتب، فبقدر الصدق نجد الاهتمام من الآخر، وبقدر ما نكتب بعمق نجد من يعيش معنا ذلك العمق، فالكاتب الحقيقي هو من يكتب نفسه للآخر، وكذلك الآخر يجد نفسه فيما يكتبه ذلك الكاتب.

نحن هنا أمام حرب نفسية يعيشها أي كاتب، وهو كيف يصل للقارئ والجمهور، وكيف يكون حقيقياً، وكيف يمارس الكتابة كواجب إلزامي لا يتهرب ويتنصل من واجبه المنوط به، خاصة وأن الآخر ينتظر منه دائمًا شيئاً ما يعنيه ويخصه، أن يتحدث بما يجول بخاطر غيره، الكاتب الحقيقي هو الكاتب القادر على تقديم غيره من خلال ما يكتب، على أن يصل لدواخل الأشخاص واهتماماتهم، هو من يقرأ الآخر ويكتب بما يود الآخر قوله، الكاتب الذكي هو من يترك للآخر طريقة الفهم لفحوى رسالته، فالكتابة رسائل قصيرة يمررها أي شخص ممتهن للكتابة عبر سطور قصيرة للآخرين، وكل منهم يقرأ بالطريقة التي تناسبه وتتناسب مع أفكاره.

لذلك أعتقد أنَّ الأفضلية بين أي كاتب وآخر، هو قدرته على ملامسة قضايا مجتمعه، وإنسانيتهم، من يستطيع بسطور أن يكتب غيره، من يقدم كل كلماته وكأنها قصة وحكاية عاشها آخر في لحظة ما وفي مرحلة معينة وزمن آخر، إنها القدرة على أن يكون مكان الآخر دائماً والقدرة على أن يتحدث بمشاعرهم وخواطرهم، القدرة على أن يمارس طقوسه الكتابية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وختامًا أقول.. إنَّ الكتابة وسيلة للبوح عن الأفكار والمشاعر، ومن كان منكم يملك هذه الملكة، فلا يتوقف عن مُمارستها، وليواظب عليها، فكما قال عميد الأدب العربي "العلم كالماء والهواء"، فإنني أعتقد أنَّ الكتابة هي الروح التي ننطلق بها في آفاق المعرفة والتعلم.