ناصر بن سلطان العموري
لا شك أن النظام الصحي لدينا في المستشفيات الحكومية المرجعية أو حتى المراكز الطبية الخاصة يشهد تقدمًا ملموسًا وواضحًا للعيان، من حيث الأجهزة الطبية المستخدمة أو الكادر المؤهل الذي نفخر بأن جله ذا صبغة عمانية، خصوصًا في المؤسسات الصحية الحكومية.
وقد يستدعي الأمر في بعض الأحيان الاستفادة من التطور الحاصل لدي بعض الدول المتقدمة في المجال الطبي وخصوصا في علاج بعض الأمراض النادرة. ومن الطبيعي أن نجد بعض الحالات المرضية تسافر للعلاج بالخارج على نفقتها الخاصة أو على نفقة الدولة لعدم توفر الإمكانيات، لاسيما بعد الشكاوى العديدة من غلاء أسعار المراكز الطبية الخاصة في السطلنة، خصوصًا في بعض العمليات التى لا تُجرى في المستشفيات الحكومية أو بعض نوعية الأمراض التي تشهد ازدحامًا في المواعيد ويتطلب من المريض الانتظار لمدة طويلة، وقد تزيد من معاناة هذا المريض.
وزارة الصحة ممثلة في دائرة شؤون العلاج بالخارج؛ هي الجهة المختصة بابتعاث الحالات المرضية المختارة بواسطة لجنة متخصصة هي من تحدد المعايير والاشتراطات التي يتم فيها الابتعاث للعلاج بالخارج.
وهناك بعض الحالات المرضية الخارجة عن الشروط المذكورة لوزارة الصحة تحصل على ابتعاث للخارج عن طريق جهات أخرى مثل ديوان البلاط السلطاني ممثلًا في دائرة الخدمات الذي يقوم بإرسال حالات عديدة وكثيرة لا تحصى عن طريق جهات طبية مختصة كذلك.
إننا عبر هذا المقال، لسنا بصدد استعراض أعمال وإنجازات هذه الجهة أو تلك، لكن نعرض حالة مرضية تم التطرق لقصتها مسبقًا في ثلاث مقالات سابقة عبر هذا المنبر، حمل الأول عنوان "من يعين المقداد"، والثاني: "المقداد بين رحى الإجراءات البيرُوقراطية"، نشرا خلال سنة 2019، أما المقال الثالث والذي طرح في عام 2020 فكان بعنوان "وانفرجت محنة المقداد".
ولنبدأ من حيث انتهى المقال الأخير؛ حيث كان من المفترض أن يسافر المقداد على نفقة الدولة بعدما حصل على مكرمة من مكرمات السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- للعلاج بالخارج وقد حُدد له خطة علاجية مكونة من عدة جلسات، وبالفعل سافر لأولى جلسات العلاج وظهر التحسن بعدها في حالته بشهادة أبيه المرافق له، فيما تزامنت الجلسة الثانية مع ظهور فيروس كورونا وما صاحبها من إجراءات احترازية متبعة آنذاك؛ ومنها حظر السفر للخارج، وعندما عادت الحياة لوتيرتها مؤخرًا وأراد المقداد استكمال جلسات علاجه، صُدم والده الذي يتابع حالته بالقرار العجيب الغريب وهو وقف جلسات علاجه وابتعاثه للخارج دون سبب يذكر سوى تقليص النفقات!!
عجبي.. ألم يختاروا سوى المقداد لتطبيق هذا القرار عليه؟ فأين الرحمة؟! وتقدير وضع المريض والالتزام بخطة علاجه، وهو ابن من أبناء الوطن له حقوق وواجبات. وبعد هذا الموقف الغريب لم يسكن والد المقداد؛ بل حاول وسعى وراجع لطلب العون والمساعدة بعد الله تعالى، من هنا وهناك، لكن كل محاولاته باءت بالفشل.
ولمن لا يعلم عن القصة منذ البداية؛ فحالة المقداد امتدت لأكثر من 14 عامًا من المعاناة مع المرض والألم، فبعد ولادة طبيعية حاله كحال باقي أقرانه من الأطفال، وعندما وصل لسن أربع سنوات تعرض لحمى شديدة، ونتيجة لعدم تشخيص حالته بشكل دقيق وإعطائه ربما أدوية غير مناسبة وقتها، أدى ذلك لإصابته بإعاقة كاملة، وأبلغت الطبيبة المعالجة عائلته أنه سيظل هكذا معاقًا رهين السرير مدى حياته! وأُخرج بعدها من المستشفى لتبدأ رحلة علاجه بالطب الشعبي، وعلى لسان الطبيبة أنه لا يوجد علاج طبي لحالته (تلف في خلايا الدماغ) في ذلك الوقت من الزمان ربما.
بداية الأمر عانى والد المقداد من الإجراءات الروتينة الطويلة عند مراجعته للجهات الحكومية التي تقدم خدمات العلاج بالخارج، ربما كانت مبررة لدى بعض المسؤولين؛ كونها إجراءات إدارية بحتة ولكنها غير مبررة أبدًا من الجانب الإنساني في ظل الألم والمعاناة التى يعاني منها المريض. وقتها وجد موضوع المقداد حراكًا اجتماعيًا كبيرًا بعد نشر المقالين- سالفي الذكر- عبر تفاعل الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لاقى تجاوبًا إعلاميًا من جانب عدد من الإذاعات المحلية، حينما تبنت طرح الموضوع عبر برامجها الجماهيرية مشكورة، علمًا بأن والد المقداد وهو متقاعد من أحد الأجهزة العسكرية، طرق أبوابًا عديدة في سبيل تبني حالة ابنه والتكفل بعلاجها، ولكن لا حياة لمن تنادي. فأين الدور المجتمعي لمؤسسات القطاع الخاص والعام هنا في التعاضد مع فئات المجتمع المختلفة أو ما يسمى بالمسؤولية المجتمعية؟ أم هي فقط شعارات براقة لا أكثر؟!
بصفتي متابع للموضوع منذ البداية، أتمنى من الجهات ذات العلاقة بعلاج المواطنين بالخارج، تقييم مدى تقدم العلاج الذي أجراه وإمكانية استكمال العلاج حتى في دولة أخرى إذا كانت التكلفة عالية في البلد السابق؛ كون المقداد مواطن يستحق الاهتمام والرعاية وفق حالته الطبية، دون تركه لوضعه الصحي الحالي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين متابعة ما بعد العلاج ليس من قبل التقارير الواردة من المستشفى المرسل له فحسب؛ بل حتى متابعة الحالة المرضية نفسها التي تم إرسالها ومدى تجاوبها مع العلاج؛ فهناك مبالغ صُرفت ينبغي معرفة مدى جدوى صرفها من عدمه حتى لا تذهب هباءً منثورًا.
إذا تكلمنا بصفة العمومية، فهناك حالات كثيرة شبيهة بحالة المقداد، ويجب هنا على الجهات المختصة بابتعاث المواطنين للعلاج بالخارج، النظر في المقام الأول للوضع المالي لصاحب الطلب وعدم النظر لمستواه الاجتماعي ومن هو؟! فكما أوضح النظام الأساسي للدولة أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وليس كل الناس سواء من حيث المقدرة المالية، فربما هناك من يملك من الخير الكثير يستطيع به أن يتحمل مصاريف العلاج بالخارج، وهناك من لايستطيع حتى شراء الأدوية.
من الضروري هنا تحديث المعايير والاشتراطات الخاصة للعلاج بالخارج وتطبيقها على الجميع دون استثناء، لا فلان ولا ابن علان!! مع إعطاء الأولوية لبعض الفئات مثل أصحاب الضمان الاجتماعي والمتقاعدين وغيرهم ممن يصفر حسابهم أول كل شهر.
ومن هذا المنبر.. أناشد بمراجعة حالة المقداد وإعطائه فرصة استكمال العلاج، فقد ساءت حالته أكثر عن ذي قبل، وهو ما أدخل الأسى والحزن لجميع أفراد أسرته حين يسمعون صراخ آلامه وهو يتوجع وهم عاجزون عن تقديم المساعدة والعون حتى أن والديه أصابتهم حالة نفسية جراء ما يعانيه ابنهما ولسان حالهما يقول "لو كان الفقر رجلا لقتلته".