الجوكر

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

من يملُك "الجوكر" يكسب، وابن التاجر تاجر، ومن يملك عقد الوكالة الحصري يقُش.. وهذه هي حالنا مع احتكار وكالات الأدوية والمعدات الطبية، أمر أشبه بالأخطبوط المُهَيمن على مفاصل حياتنا الصحية؛ ألم يَحِن الوقت للنظر في شركات الاحتكار العائلية؟ وبالأخص احتكار قطاع الدواء والمعدات الطبية؟

"سَعَت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار -ممثلة بمركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار- مشكورةً، إلى تحقيق جُملة من الأهداف؛ أهمها: تعديل قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار؛ كما يهدف المركز لتعزيز المنافسة وفتح آفاق جديدة نحو اقتصاد حُر وجاذب للاستثمار وحماية المنافسة وتشجيعها، ومنع ارتكاب ممارسات احتكارية، وتنظيم حرية مُمارسة النشاط الاقتصادي في السوق المحلية، وترسيخ مبدأ قواعد السوق وحرية الأسعار، بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني والمستهلك"؛ وذلك حسب ما ورد في خبر سابق عن مُتحدث باسم المركز في إحدى الصحف المحلية؛ ولكن أين كل ذلك من الوكالات العائلية الحصرية؟ ولا يعني الكثير من تلك الوكالات بقدر ما يهم وكالات الأدوية والمعدات الطبية، والتي يمتلك 90% منها شركة واحدة فقط كما هو معلوم للجميع؛ أي أنَّ صيدلية واحدة تتحكم في 55 ألف صنف دوائي وعلاجي من منتجات 730 شركة من جميع أنحاء العالم، ولا يستطيع أحد منافستها في السوق المحلية.

تَمْنَح الوكالةُ الحصرية "الجوكر" الحصانة للمستفيد، فتقفز أسعار الأدوية بصورة خيالية. اشتكي مريض سُكري من سعر دواء الكوليسترول Lipitor من حجم 40 ملليجرام؛ حيث يُباع بما يقارب الـ35 ريالًأ للعلبة، والتي تحوي 30 قرصاً، ويمكن أن تشتري نفس الدواء عبر مواقع التسوق الإلكترونية وعدد الأقراص 90 حبة ومن الشركة الأم شامل تكاليف الشحن بما يقارب 49 ريالًا!!

وعند طرح السؤال ذاته عن تفاوت أسعار الأدوية على مختص في مجال الصيدلة، كانت الإجابة صادمة: "أسعار الأدوية تختلف حسب قوة الدواء (على سبيل المثال: حبوب الكوليسترول تتفاوت قوتها بين 10، 20، 40، 80.. وإذا زادت القوة ارتفع السعر)؛ ومن الأدوية التي تتفاوت أسعارها أدوية السكري بمختلف أسمائها، وأدوية الضغط بمختلف أسمائها، وأدوية الصَّرع بمختلف أسمائها، هذا بالنسبة للعلاجية، أما الفيتامينات فحدِّث ولا حرج عن الأسعار".

ولكن: ما هو الاحتكار في الاقتصاد حتى نكون أوضح وأشمل  في الطرح؟ "الاحتكار: هو الحالة التي يكون فيها السوق عبارة عن شركة واحدة فقط، توفر منتجا أو خدمة إلى جميع المستهلكين". وعليه، فإنَّ الشركة تكون مُسَيطرة على السوق بالكامل، وتستطيع أن تفرض أسعارها لعدم وجود منافسة، وقد تتشعَّب حالات كثيرة عن الاحتكار كأنْ تُنافس شركات أخرى الشركة المسيطرة، وتعتبر منافستها هامشية، فيُسمَّى هذا النوع بـ"الاحتكار شبه الكامل" (quasi monopole)؛ أو كما أُحِب أن أسميه في حالتنا: "الجوكر العائلي". أما في اللغة، فالاحتكار هو الحكرة والسيطرة اصطلاحاً؛ أي حبس الطعام أو كل ما يضرُّ الناس أو يُعسر عليهم وقت الحاجة الماسة حين تكون قليلة أو نادرة، حتى يرتفع ثمنه فيعرضه للبيع؛ فما بالك بكل ما يُعسر ويرفع ثمن علاجك الضِّعف والثلاثة أضعاف تحت مظلة الوكالة الحصرية؟ ألا يُعد ذلك احتكارًا؟

سيقول البعض إنَّ الشركات المورِّدة والمزوِّدة للأدوية والمعدات الطبية، ترفض تعدُّد الوكالات، وتفرض سقفًا للأرباح أو يخسر الوكيل العُماني الوكالة، ولكن أليست هناك شركات بديلة لتلك الشركات؟ أم أنَّ التعامل معها ممنوع؟

الأمر أشبه بقانون سابق يحصر حماية المستهلك في مُراقبة 23 سلعة فقط، وذلك في العام 2014، وتم وقف العمل بهذا القرار بعدما أثار ردودَ أفعال معارضة من الرأي العام. المغزى أنَّ هناك مركزًا لمنع الاحتكار، يسعى لتعزيز المنافسة الشريفة وأسس التجارة الحرة، لكنه يقف مكتوفَ الأيدي أمام "الجوكر العائلي"، فما الحل؟ هل يمكن سَن قوانين جديدة تُسهم في فك الخناق من "الجوكر العائلي" أسوةً ببعض الدول التي تسعى لسن قوانين تقسيم تجارة المحتكر لتحجيمه؛ كما حصل في الولايات المتحدة مع الاحتكارات في سكك الحديد في أواخر القرن الـ19 وشركة الهاتف "إيه.تي.آند.تي" (AT&T) في الثمانينيات.

أعتقد -ولا أجزم- بأنَّ مثل هذه القوانين ستُسهم في خلق مجال تنافسي، يقلل من التلاعب بأسعار الأدوية، ولكني لا أعلم؛ فالإجابة عند ذوي الحلِّ والعقد.

ولكن السؤال: هل يُمكن أن تستثمر الحكومة في هذا المجال ويتم الاسترداد بشكل مباشر، وأن تكون هي المُوزِّع للأدوية والمعدات الطبية، وهي من يُحدِّد أسعارها؛ أو أن تستثمر أكثر بقليل في مجال الأدوية وإنتاجها؟ في الحقيقة لا أعلم إن كان ذلك يصح أو لا! ولكن أيضًا هل يُمكن إنشاء هيئة للأخطاء الطبية والتي طفح الكيل من تكاثرها دون رقابة مُشددة؟ أيضًا لا أعلم، ولكن ما أعلمه حقًّا أنَّ "من أَمِن العقاب أساء الأدب".

الأكثر قراءة