الأراضي السكنية و"مسمار جحا"

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

قبل فترة وجيزة بدأت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني منح الأراضي السكنية للمواطنين، وفق اشتراطات المرسوم السلطاني رقم (42/ 2021) والذي حدد عددًا من الشروط والأحكام التي يتم من خلالها عملية التوزيع، وذلك بعد أن طال انتظار المواطنين لعشرات السنين للحصول على قطعة أرض سكنية.

ولعل طول الانتظار كان ضروريًا لترتيب الوضع الداخلي للوزارة، وتنظيم التشريعات، وقاعدة البيانات لديها، وقد يكون أهم ما في آلية التوزيع الجديدة، هي عدم تدخل العنصر البشري في عملية الاختيار، كما كان يحدث سابقًا، وهذا أمر مُهم يأتي من منطلق العدالة والمساواة بين المواطنين.

وكان الإعلان عن فتح باب توزيع الأراضي- كما أسلفتُ- بمثابة البوابة الكبيرة التي انتظرها المواطنون لفترة طويلة، غير أنَّ هناك ملاحظة يجب أن تؤخذ في الحسبان، لا يرى الكثيرون لها مبررًا، بل وتدخل في حيّز الحد من حرية بيع وشراء المواطن لأملاكه الخاصة، وهذه العقدة هي اشتراط الوزارة "عدم جواز بيع الأرض إلا بعد بنائها"، وهو شرط لا يتوافق وعملية "المنح أو التملك الحر"، فالأرض متى خرجت من ذمة الدولة أصبحت ملكًا للمواطن، لا يُنازعه فيها منازع، ولا يخاصمه فيها خصم، وهو حر في ما يفعل بمُلكه، إن كانت ملكًا فعليًا؛ فالذريعة التي تسوقها وزارة الإسكان من أن "الغرض من المنح هو استقرار الأسرة" يجانبه الكثير من المنطق، فالأسرة قد تنظر إلى هذه الأرض- وهي في كل الأحوال في أماكن تفتقد إلى الخدمات الأساسية- باعتبارها ملاذًا أو مُنقذًا لها من مشاكلها المالية، وقد تحتاجها كحاجة الصحراء للمطر لقضاء ديونٍ تراكمت عليها، أو لتخليص معيلها من سجنٍ، أو مشكلة مادية، أو لعلاج مريض يحتاج إلى تكاليف لا قِبل لهم بها؛ فيكون بيع تلك الأرض الممنوحة ملاذها الأول والأخير لتخليصها من تلك المشاكل التي تراكمت عليها، خاصة في الظروف الحالية التي تمر على كثير من المواطنين، دون أن يحرك أحد من المسؤولين ساكنًا.

ثمَّ إنَّ شرط البيع أو التصرف بالأرض بعد بنائها غير قابل للتطبيق عمليًا، فهل يُعقل أن يبني المواطن منزله، ويقترض للبناء، ويتعب ويشقى، وبعد سنة أو تزيد وبعد انتهاء عملية التشييد يقوم ببيعه؟! وكم ستُكلف عملية البناء من جهد ووقت ومال؟ وهل يمتلك كل مواطن المال اللازم للبناء؟! بل إنَّ ذلك الشرط يعني مزيدًا من الكساد العقاري، فالكثيرون لن يكونوا قادرين على البناء، وفي نفس الوقت غير قادرين على التصرف بأملاكهم، مما يعني مزيدًا من الأراضي البيضاء، التي ستظل طويلًا دون تعمير، وهو ذات السبب الذي أورده وحذّر منه وزير الإسكان في أحد حواراته الصحفية. ثم إن عملية البيع والشراء تتم بين مواطنين، مما يعني أن هناك من يملك المال ولكنه لا يملك الأرض لبناء منزله عليها، وفي المقابل هناك من يملك الأرض ولكنه لا يملك المال اللازم للبناء. علاوة على أن البعض قد يُفضّل بيع أرضه بسعر معقول في مكان ما، وشراء أرض أرخص في منطقة أخرى يستطيع تعميرها والاستقرار عليها، وفوق كل ذلك فإنَّ عملية البيع والشراء ستعمل على تعزيز وانتعاش السوق العقاري، وبالتالي ستعمل على تعمير وتطوير المخططات السكنية وتنميتها بشكل أسرع.

إن تقييد حرية المواطن في التصرف بالأرض قد يكون له تبعات سلبية بعيدة ليست في صالح التنمية العمرانية، والتوسع الإسكاني، وأعتقد أن الملاحظة أو التنبيه المهم الذي يجب أن يوضع في ذيل سند الملكية- للتذكير وإبراء ذمة الدولة- هو "أن المرسوم السلطاني نصّ على أنه لا يجوز منح المواطن إلا أرضًا واحدة، ففكر- أيها المواطن- ألف مرة قبل بيع أرضك"، وليس وضع عبارة تمنع تصرف المواطن في ملكه إلا بعد بناء منزله!