إسماعيل بن شهاب البلوشي
في تاريخ بعض الدول وعلى مرِّ الأيام بدأت تدريجيًا في رفع التعرفة الجمركية حتى وصلت إلى أكثر من 100 بالمئة، وكانت النتيجة المُباشرة والطبيعية الأولى هي ارتفاع الأسعار إلى أكثر من الضعف، ولقد كان منظور تلك الدول التخلص من الأعباء المالية والوفاء بالالتزامات قدر الإمكان، غير أنَّ المشرعين كانوا في صورة محاسبين وبعيدين كل البعد عن فهم طبيعة البشر والمال والقيادة وحب الحياة الكريمة التي من المُؤكد أنها حق خالص لكل إنسان، وأنَّ أي قرار يمكن لمواطني أي دولة قبوله في العلن والعمل به، غير أنَّهم من جانب آخر يرون أن أوطانهم لا تمضي في الطريق الصحيح؛ بل إنهم في الظل يوجهون فكرهم ومحاولاتهم لخلق أساليب وطرق تلتف على تلك القوانين.
هذه هي النتائج الفعلية التي تبدأ في خلق وبناء شعور وطني غير مساير لرؤية وآمال الأوطان وجمع الكلمة تحت رايته، وبعد ذلك سيبدأ نفس المشرعين باستحداث أجهزة وتشغيل جوانب وطنية ومنها الكادر البشري لوقف أو تقليل تلك التجاوزات وكل ذلك سيحتاج إلى أموال ومن نفس الوطن. الأمر الآخر والذي علينا رؤيته بعين متفحصة أن نسبة التهرب من الجمارك ستكون أعلى بكثير من النسبة التي سيدفعها معظم مواطني تلك الدول، ولو أنَّ النسبة الجمركية معقولة لكان العدد الذي سيدفع وبأسلوب منتظم أكثر بكثير من الذين التفوا على ذلك القانون، وسيكون المبلغ المحصل فعليًا أكثر من المبلغ الذي تم تحصيله بنسب عالية من عدد أقل بكثير من العدد الحقيقي، وهنا خسرت تلك الدول المبادئ والمال والشعور الوطني المرجو من أي مواطن تجاه وطنه.
هذا المثال يمكن وضعه دليلاً إرشادياً لقيمة الكهرباء والمياه والوقود في كل دول العالم؛ لأن هذه الخدمات لا يمكن لأي إنسان في الوقت الحاضر الاستغناء عنها، ولأن أغلب دول العالم أما أنها قاسية البرودة وتحتاج إلى وسائل التدفئة، وإما أنها شديدة الحرارة وتحتاج إلى التبريد، وعندما تكون أسعارها غير مسايرة لما يملك الإنسان أو أنها ستكون على حساب الكثير من يومياته وأسرته، فإنه مؤكد سيبدأ بالبحث اللاشعوري باتجاه الحلول والتي ستكون نتائجها تمامًا مثل ما سبق الحديث عنه، وستنشط السوق السوداء المستعدة لوضع الحلول للتقليل من المبالغ الفعلية. أما شركات الكهرباء- مثلاً- فقد أمّنت نفسها بالدفع من قبل الحكومات صافيًا عن الرقم المنتج وليس المستهلك الفعلي، ولذلك فإنها ستترك الحبل على الغارب، وسيكون الأمر بين الشعب والحكومات. وهنا مربط الفرس، لذلك ستبدأ الدول بإيجاد الحلول وقد يكون من عينوا للتقصي والبحث عن المخالفين هم أنفسهم مخالفين؛ لأنهم تحت قائمة غير المقتنعين بما يحدث، وهنا تبدأ الدول في دخول الأنفاق المظلمة والتي عادةً ما تكون نتائجها غير طيبة لتبدأ الشعوب في بيع المبادئ والأسس والمثل العليا التي يجب أن تكون الأساس لقوة الدول.
وأخيرًا.. أقول وبكل وضوح إن الشهادة والمحاسبة والقيادة تختلف أدوارها وشخصياتها ولذلك وللمرة الرابعة أرى وبشدة ان يكون الإنسان المناسب في المكان المناسب، وأن تكون القرارات برؤية أبعد بكثير جدًا من إيجاد الحلول السريعة وترك الحلول الأبعد أفقًا وأكثر فاعلية، غير أنها تحتاج إلى جهد وعمل من الحكومات والمواطنين.