إعادة كتابة العقد الاجتماعي (12)

مبدأ "المواطنة المتساوية"

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **

 

مبدأ "المواطنة المتساوية"- وأركز على صفة "المتساوية"- هو سر تقدم الدول ورقيها، فقد تبنت هذه الدول مبدأ المواطنة المتساوية وفعَّلته على أرض الواقع المُجتمعي في شكل علاقات متساوية بين مواطنيها في حقوقهم وواجباتهم بلا تفرقة أو تمييز راجع إلى أصولهم أو أديانهم أو مذاهبهم، ومن هنا يُقاس رقي الدول أو تخلفها بطبيعة علاقتها بمواطنيها من حيث التزامها بالمواطنة المتساوية وتحقيق تكافؤ الفرص بين المُواطنين، لا بغناها وكثرة مواردها ولاحجمها ولا كثرة سكانها، فإذا كانت دولة لا تراعي تكافؤ الفرص وليست عادلة في توزيع المناصب العامة، وإنما توزعها بحسب الولاء والقرب والأصل؛ فهي من ضمن الدول المُتخلفة .

الدولة مهما تظاهرت بالحداثة، وتلبست بلبوس الحضارة واستوردت منتجاتها التقنية، هي في الحقيقة "دولة متخلفة" إذا كانت تعامل مواطنيها على أسس تمييزية قبلية ودينية ومذهبية. كان العالم القديم، لا يعرف مبدأ المُواطنة، مقسمًا على أسس عنصرية إثنية ودينية متعصبة، لكن شعوب العالم المتقدم تجاوزت أوضاعها المتخلفة إلى دولة المواطنة التي حققت التقدم الحديث.

العرب من الشعوب التي لم تنجح في تحقيق مفهوم المواطنة، وما زالت محاولاتهم متعثرة رغم مظاهر التحديث التي عمّت الدول العربية وتجارب التشبه بالدول المتقدمة في استيراد أشكال من مؤسساتها الدستورية والقانونية والديمقراطية ونظمها الإدارية الحديثة، إلّا أنه ما زال تشبهًا هيكليًا مظهريًا.

أكثر من قرن انقضى على احتكاك العرب بالحضارة الحديثة وما زالت قضية "المواطنة المتساوية" شعارًا سياسيًا دون مضمون يردده خطباؤنا عبر مختلف الوسائل الإعلامية.

المرأة الخليجية- والعربية عامة- عليها أن تقبل "وضعية التبعية" وتعيش حالة "المواطنة المنتقصة" لا ولاية لها على نفسها في أمر زواجها وفي مُعظم تصرفاتها العامة؛ إذ لا بُد من موافقة الوليّ الرجل، كما إنها محرومة من دون نساء العالمين من أهم حقوقها الطبيعية والدستورية وهو منح جنسيتها لأطفالها، فإذا كانت مُتزوجة من غير المواطن، عليها أن تُعاني بصمت وهي ترى مُعاناة أطفالها في التعليم والتوظيف والزواج في مجتمعاتنا التي تُهمِّش حقوق غير المواطن.

تُكرِّس مناهجنا التعليمية والمسلسلات الدرامية والوسائل الإعلامية والخطب الدينية صورة نمطية للمرأة لا تكاد تتجاوزها، صورة الزوجة الصالحة المُطيعة والأم التي تربي أبناءها تربية صالحة حتى يكونوا أفرادًا نافعين لدينهم ووطنهم، وهذا حق وهو أعظم أدوار المرأة المستحقة الإشادة والتبجيل.. لكن ماذا عن الأدوار الأخرى للمرأة في مشاركتها الرجل في تنمية وتطور بلادها؟ (راجع: تمثيل المرأة في كتب العلوم الاجتماعية، نعيمة الراشدي، كتاب التنمية في هوامش الخليج).

أما الآخر المنتقص الحقوق في مجتمعات العرب قديمًا وحديثًا فهو المواطن الآخر (الإثني والديني والمذهبي) لا سيّما إذا كان من الأقليات الإثنية والدينية والمذهبية.

إن وضعية الأقليات الإثنية والدينية والمذهبية وضعية غير سوية في مجتمعاتنا العربية، تعاني أشكالًا من التفرقة والتمييز في مختلف الوظائف العامة؛ بل هم مُهددون في وجودهم وأحيانًا يتم التدخل حتى في أخص شؤونهم.

إلى متى تخاصم العقلية العربية منطق العصر وترفض الاعتراف بالتطور الزمني؟ إلى متى نهمش حقوق المواطنة المتساوية ونمارس التفرقة والتمييز بين أبناء المجتمع الواحد ونصنف المواطنين بحسب أصولهم وأديانهم ومذاهبهم ونتحايل على المواثيق الحقوقية الأممية التي وقّعنا عليها والتزمنا بها أمام المجتمع الدولي؟! إلى متى المكابرة ورفض الاعتراف بأننا أبناء مجتمع واحد لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات؟

يجب أن يكون واضحًا للجميع أنَّه لا مواطنة دون تكافؤ الفرص، ولا مواطنة دون مساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، بغض النظر عن الدين والمذهب والنوع والأصل مبدأ المواطنة بين الجدل والتطبيق: نسرين عبدالحميد نبيه).

نحن في الخليج، الأجدر بدُولنا تبني مبدأ المواطنة المتساوية دون أي تمييز أو تفرقة، إذ لماذا تعمد قوانين الجنسية الخليجية إلى تصنيف المواطنين إلى درجات، في الوقت الذي يُشكل فيه المواطنون أقلية في مجتمعاتٍ الوافدون فيها أكثرية؟

يتبع،،،

** كاتب قطري