الرؤية- مدرين المكتومية
تصوير/ نواف المحاربي
انطلقت، صباح أمس الأربعاء، أعمال المُنتدى العُماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية في دورته الخامسة: "مواطنة الشركات.. شراكة إيجابية ومسؤولية فاعلة"، والذي نظمته "الرؤية" بمشاركة محلية وعربية واسعة، من الخبراء والمختصين لبحث آليات تمكين مفهوم "مواطنة الشركات"، وتشجيع الشركات على القيام بمسؤولياتها المجتمعية لدمج العلامات التجارية بالمجتمع، بما يُسهم في تسريع وتيرة الخُطط الإستراتيجية المنفِّذة لرؤية "عُمان 2040".
وتضمن المنتدى محورين رئيسيين؛ هما: "مواطنة الشركات واستدامة الاستثمارات المجتمعية"، و"المسار نحو مواطنة إيجابية للشركات"، وتلى ذلك جلسة نقاشية لتحديد الأولويات المرحلية لتمكين مصطلح "مواطنة الشركات"، إضافة لتدشين النسخة الثالثة من "منصة توقيع الشراكات وإطلاق المبادرات المجتمعية"، وتكريم الشركات الفاعلة في قطاع المسؤولية الاجتماعية للشركات.
وبدأ المنتدى بكلمة ترحيبية قدمها المكرم حاتم بن حمد الطائي الأمين العام للمنتدى؛ حيث أكد خلالها أهمية انعقاد المنتدى في دورته الحالية التي تحمل عنوان "مواطنة الشركات.. شراكة إيجابية ومسؤولية فاعلة"، مشيرًا إلى أن سلطنة عمان قطعت شوطًا كبيرًا في مسار تقدمها على درب المسؤولية الاجتماعية، وخاصة فيما يتعلق بالدور الاجتماعي المؤسسي للشركات، من خلال ما تقدمه من خدمات إلى المجتمعات المحلية، الأمر الذي ساهم في تحسين مستوى المعيشة والإسهام بدفع عجلة التنمية في شتى المجالات، وخاصة مجالي التعليم والصحة، اللذين يمثلان أحد أبرز روافد المسؤولية الاجتماعية للشركات. وأضاف الطائي: "نحن هنا في عمان على وجه التحديد، استطعنا أن نُبلوِر مفهومًا أكثر تقدمًا للمسؤولية الاجتماعية؛ فالأمر لا يتوقف عند حدود تخصيص أموال لمشاريع المسؤولية الاجتماعية وحسب؛ بل امتد الأمر للتخطيط لطبيعة تنفيذ هذه المشاريع، ووضع خطط مستقبلية وفق أُطر واضحة المعالم، تحقق أكبر قدر من المنافع". وأوضح الطائي أن موضوع النقاش الرئيسي في هذه الدورة من أعمال المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية يتطرق إلى قضية قلما طُرحت على طاولة النقاش، لكنها تتميز بالعمق والثراء في التطبيق، ألا وهي "مواطنة الشركات".
وأشار إلى أنَّه بعيدًا عن الاصطلاحات النظرية أو التأويلات السياسية، ينبغي التوضيح أنَّ هذا المفهوم يعني ببساطة تطوير دور الشركات في دعم التنمية في صورتها الشاملة، دون أن يقتصر الأمر على تنفيذ مشروعات اجتماعية وحسب، بل يمتد ذلك إلى الإسهام في تنمية الاقتصاد الوطني، عبر توجيه جزء من مخصصات المسؤولية الاجتماعية إلى مشاريع اقتصادية تحتاج إلى الدعم، تسهم من خلالها في توفير فرص عمل ووظائف، وتنُعش الاقتصاد عبر تعزيز الحركة التجارية والقوة الشرائية. إننا في هذا السياق نتحدث عن دور أكثر تطورًا للشركات في جهودها التنموية، دون التأثير على مخططاتها للمشروعات المسؤولية الاجتماعية التقليدية.
وقال الطائي إن عُمان شهدت قبل أشهر قليلة ملحمة وطنية جسدت أسمى معاني المسؤولية الاجتماعية، ليس للشركات وحسب، بل للأفراد والمجموعات التطوعية كذلك. فخلال إعصار شاهين، نجحت الشركات في ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وبالأخص "مواطنة الشركات"، فلم يقتصر الأمر على تقديم المساعدات العينية والغذائية وتوفير منازل بديلة وأجهزة كهربائية ومعدات وغيرها، ولكن امتدت الجهود لتشمل تقديم تسهيلات تساعد على مد يد العون لكل من تضرر من هذه الأنواء المناخية العنيفة؛ منها على سبيل المثال ما قامت به بنوك محلية من تقديم تسهيلات للمتضررين من الإعصار، سواء فيما يتعلق بتأجيل سداد أقساط القروض، أو حتى الاستفادة من الحصول على قروض بدون فائدة أو فائدة مخفضة لإعادة تأهيل منازلهم. وأكد الطائي أنَّ هذه المسؤولية الاجتماعية تجاوزت المفهوم التقليدي الذي ربما يكون قد حُصِر في جانب التبرع ومساعدة المحتاجين دون انعكاس حقيقي على مسيرة التنمية الاقتصادية.
ودعا الطائي إلى ترسيخ مفهوم "مواطنة الشركات" من خلال طرح برامج متخصصة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، تسهم في رفد الاقتصاد الوطني بمشاريع تنموية يُديرها الشباب العماني، تعود بالنفع عليه وعلى الاقتصاد، وتتحقق معها الأهداف الاجتماعية والاقتصادية المأمولة.
وقال إنَّ العالم في الوقت الحالي يشهد حالة من التعافي من آثار جائحة كورونا، على الرغم من استمرار الارتفاع في معدلات الإصابة بالفيروس، لكنها تظل تحت السيطرة الوبائية بفضل حملات التحصين باللقاحات المضادة، وهذا الأمر يستوجب دعم الجهود الرامية لتسريع وتيرة هذا التعافي، والتي من بينها- بلا شك- برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات. فقد كشفت الأزمة الصحية العالمية عن جملة من التحديات في برامج المسؤولية الاجتماعية، لكنها في الوقت عينه، قدمت لنا العديد من الدروس المستفادة، يأتي في مقدمتها: أهمية التكافل والتضامن في المجتمع. وهنا في سلطنة عُمان، كشفت لنا جائحة كورونا عن المعدن الأصيل للمواطن العماني ولكل من يعيش على هذا التراب الطاهر. وتابع: "فبمجرد أن بدأت تأثيرات الأزمة تنعكس على الأفراد تحت وطأة الإغلاقات وفقدان الآلاف لوظائفهم، تصاعدت وتيرة العمل الاجتماعي، وأسهمت الشركات الكبرى والبنوك والأفراد في الجهود الداعمة للمتضررين من الجائحة، سواء في إطار مؤسسي، مثل الصناديق والحسابات الحكومية، أو بمبادرات فردية لهذه الشركة أو تلك، وهو ما ساهم في تخفيف حدة الأزمة، والتقليل من تداعياتها.
وأعرب الطائي عن أمله في أن تتعاظم أدوار المسؤولية الاجتماعية وأن تتطور وفق مفهوم "مواطنة الشركات"، من خلال زيادة مخصصات المسؤولية الاجتماعية وتوجيهها نحو المشاريع ذات العائد الاقتصادي على المجتمع، بعيدًا عن المشروعات التي ربما تتكفل بها الجمعيات الخيرية وأصحاب الأيادي البيضاء.
كلمة ضيفة الشرف
أعقب ذلك، كلمة ضيفة الشرف، سعادة الشيخة سهيلة بنت سالم الصباح السفيرة الدولية للمسؤولية الاجتماعية من دولة الكويت الشقيقة؛ حيث أشادت بحرص المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية على تعزيز مسيرة المسؤولية المجتمعية عبر ما يطرحه من أفكار ونقاشات بناءة. وأضافت أنَّ العالم اليوم يمر بمرحلة تحديات وأحداث متنوعة من أزمات صحية وكوارث طبيعية وصراعات حربية وغيرها، وهذا حال الأمم والبلدان حول العالم، مشيرة إلى أن كل ذلك يفرض علينا جميعًا تبني شراكة حقيقية لتجاوز هذه الآلام ووضع الحلول لها. وقالت: "هنا يأتي الدور الحقيقي للمواطنة لمعرفة كيف نتعايش مع هذه الآلام والمشكلات التي تواجهنا وكيف نعمل من واقع المسؤولية الاجتماعية لتجاوز هذه الأزمات". وأضافت: "اليوم نعيش في أزمة صحية عالمية كبيرة نتيجة وباء كورونا ومتحوراته، وهناك حاجة حقيقة للمواطنة المتنوعة ومنها المواطنة الاقتصادية أو ما يسمى بالشراكة الاقتصادية، لرفع هذه المشكلات عن أوطاننا والقضاء على معاناة الشعوب".
وضربت الشيخة سهيلة الصباح مثالا بدولة الكويت وما تشهده من شراكة اقتصادية تسهم في ازدهار الدولة، قائلة: "عشنا تجربة واقعية مع أزمة كوفيد-19 بروح الفريق الواحد، لكن من خلال الشركات الاقتصادية ساهمنا في توفير جميع ما يحتاجه الوطن من مساهمات مالية وفنية والتي تعبر عن الشراكة المسؤولة مجتمعيا وإقدامهم في تقديم الخدمات المالية للمرضى من بناء مستشفيات متنقلة ومساعدة من هم في الحجر الصحي وتقديم الدعم المالي للفنادق والمرافق العامة لتوفر سبل الراحة والعلاج والتأهيل النفسي وتقديم المواد الغذائية والرعاية الكاملة لكبار السن والمعاقين".
وتابعت الشيخة سهيلة القول إن الشركات الاقتصادية ساهمت في توفير الأجهزة الإلكترونية وربطها ببرنامج الحكومة بجميع القطاعات ووزارات الدولة من أجل توفير المعلومات والبيانات للأفراد والمواطنين وتسخير سبل الراحة في الطيران المدني، لافتةً إلى تحقق مفهوم الشراكة الاقتصادية عندما وضعت الكويت "رؤية 2035" منذ عام 2014 بتأسيس هيئة مشروعات الشراكة بين القطاع العام والخاص وتكون مسؤولة عن التنسيق المحوري لبرنامج الشراكة وتقييمها ولقد تحقق مفهوم المواطنة لهذه الشركات التجارية في مشروع الطاقة وتوفير وزيادة الطاقة الكهربائية وكانت الشركات تتسابق لدعم هذا المشروع بروح تنافسية لتوفير سبل الراحة والازدهار للكويت. وبيّنت أن دولة الكويت تنظر إلى الشراكة الاقتصادية كمسار فعال لتحقيق التقدم والنهضة الإستراتيجية كمفهوم مواطن إيجابي واستخدمنا أسلوب الدمج الاجتماعي لهذه الشراكة التجارية بأسلوب ديمقراطي من واقع المسؤولية المجتمعية والتضامن مع الوطن في حل أي مشكلة تقع على أرض الواقع حتى استطعنا أن نقدم خدمات إنسانية من خلال هذه الشراكة مع جميع دول العالم وتقديم الخدمات اللوجستية لكل من يحتاج المساعدة والمساندة لأي أزمة تواجهها هذه البلدان.
ودعت الشيخة سهيلة جميع المشاركين في هذا المنتدى لتبادل الخبرات والتجارب والأفكار التي تساهم في تعزيز المواطنة من خلال شركاتها التجارية والخطط التنموية التي تزهو بها الأوطان.