علي بن سالم كفيتان
أثار قرار وزارة العمل حول إعفاء الوافد من السن القانوني للتقاعد (60 سنة) وفتح المجال لاستجلاب عمالة بلغت من السن عتيًا، في الوقت الذي تُعد فيه نفس الوزارة قانونًا جديدًا للتقاعد، يُتوقع أن يضع المواطن بين خيار بلوغ 30 سنة عمل أو الوصول لسن الستين، مما ولّد تناقضًا يصعُب تبريره.
حاولت كغيري متابعة برنامج "مع الشباب" الذي استضاف معالي وزير العمل في رحاب جامعة السلطان قابوس، لكن المبررات التي صاغها معاليه في هذا الشأن لم تكن مقنعة، مثلما ردت إحدى الطالبات التي لم تقتنع بالقرار وصرحت عن ذلك على الهواء مُباشرة، فهل سيُعاد النظر بهذا التوجه، وإلّا وجب علينا المطالبة بالمساواة مع الوافد؟!
لا بُد لنا أن نشيد بتوجه وزارة الإعلام لفتح نافذة الحوار مع الشباب من خلال برنامج مفتوح ومباشر مع أصحاب المعالي الوزراء ومن يملك القرار في البلد، ومثلما سبق وانتقدنا الأداء الإعلامي وتأخره فإننا نسجل له هذه النقطة في الاتجاه الصحيح، ولعله من غير المناسب انتقاد الحلقة الأولى من حيث عدد الحضور المتواضع والمكان الذي بدا غير مهيأ، واستحواذ مقدم البرنامج ومعاليه على جُل الحديث، في حين ظل الشباب مستمعين للمساجلة بين الرجلين التي انتهت بفقدان الساعة بينهما، مما أدى لطلب ساعة أخرى. ومما يحتسب لمعاليه أنه لم يكن دبلوماسيًا منكرًا لوجود التحديات، ولم يكن متشائمًا؛ بل ظل يراوح بينهما ولا يخلو حديثه من حذر تحسبًا لما وقع فيه وكيلا الوزارة في المواجهات السابقة.
وكمراقب للمقابلة الأولى مع الشباب يمكننا القول إن معاليه كسب الجولة، ونترقب الساعة الأخرى هذا الأسبوع، وأملنا أن يُمنح للشباب الوقت الكافي للنقاش وأن يزيد عدد الحضور مع مراعاة أن الشباب في عُمان ليسوا فقط داخل أروقة جامعة السلطان قابوس، والشباب ليسوا هم طلبة الجامعات فقط؛ بل من كان دون سن الأربعين في مختلف المواقع، لذلك نتطلع لتنوع فئات الحاضرين في هذا البرنامج مستقبلاً، ونبارك نهج الحوار الوطني الشفاف غير الموجه.
حسب الأرقام التي طرحها معاليه، فقد تم توظيف 40 ألفًا وتدوير 28 ألف وظيفة في عام واحد، مما يعد إنجازًا لافتًا، لكن ما لم يكن متوقعًا هو التمديد لأكثر من 15 ألف وافدٍ بلغوا سن الستين، فالرقم مهما كان صغيرًا- حسب وصف معاليه- سيكبُر بمرور الوقت، وقد يَستغِل القطاع الخاص هذه الثغرة كما استغل تحديد سقف الحد الأدنى للأجور. ويتبين للمتابع أن المُواجهة القائمة حاليًا هي بين رأس المال والتشريعات، والطرف الأخير لن يألو جهدًا لاستغلال أي هفوة تشريعية لصالحه، وهذا ما تبين لنا في الفترة السابقة من خلال زيادة المُسرَّحِين من أعمالهم، مع وجود موجة توظيفٍ بأجور أقل، فقد يتم إقالة موظف براتب 1000 ريال ويتم توظيف 3 على راتبه، وفي الحقيقة هي نفس النتيجة؛ فالشركة وفرت وظائف لعدد أكبر مقابل تسريح عدد أقل تمَّ دحرجتهم لصندوق الأمان الوظيفي، الذي يقتطع موارده من رواتب الموظفين العمومين (تدوير البطالة)، وهذا يكشف لنا حجم المناورة التي يلعبها القطاع الخاص مع القطاع العام واتساع رقعتها يوماً بعد آخر. فهل وزارة العمل والجهات المعنية الأخرى على بصيرة بما يجري؟ وفي إطار مقاومة بعض مؤسسات القطاع الخاص المتجذرة والتي استفادت من التسهيلات الحكومية طوال 50 عامًا بدأت باستخدام سلاح رفع الأسعار بشكل غير مقبول على بعض السلع الرئيسية؛ كورقة ضغط على الحكومة، لإعادة تلك التسهيلات والهبات والإعفاءات، وأصبح المواطن أداة الضغط للأسف، مما أدى لانكشاف غير مسبوق لتلك المؤسسات.
وقال معاليه إن 10% فقط من مؤسسات القطاع الخاص، هي التي تولد الوظائف و90% مجرد لوحات وهمية للتجارة المستترة التي يديرها وافدون لا يساهمون بأي نسبة لتشغيل الباحثين عن عمل.
هنا يمكننا القول إن سوق العمل في القطاع الخاص مشوهٌ ووهميٌ إلى حدٍ كبيرٍ، ومن هنا يجدب أن نضع أيدينا مع التوجهات الحكومية لسد هذه الثغرة عبر غلق السوق الوهمي الموازي غير المنتج؛ فمعظم المستجلَبين هُم من العمالة غير الماهرة، مما يعني أنَّ الأرقام المعلنة عن نسبة البطالة في السلطنة غير دقيقة، وهي في حدود 1- 2% حسب المعلن، إذا ما تمَّ حسابها على كامل القوى العاملة في البلد، وفي حال حسابها على القوى العاملة الماهرة تصل إلى 7% وهي نسبة مقبولة عالميًا، أما إذا حسبت على القوى العاملة الوطنية فقط فتصل إلى 10%.
فأي الأرقام سوف نختار نحن لأنفسنا؟!
حفظ الله بلادي.