أميتاف جوش.. و"لعنة جوز الطيب" (1- 2)

 

 

علي الرئيسي **

 

يُدهشك دائمًا العُمق الثقافي والحضاري والمعرفة الموسوعية التي يتمتع بها عدد غير قليل من الكتاب والمبدعين الهنود أو من أصول هندية، مثل سلمان رشدي، وأريندهاتي روي، وكيران ديساي وأميتاف جوش، الذي هو موضوع مقالنا اليوم.

اهتمام جوش بأزمة المناخ بدأ في مطلع سنة 2000؛ وهو أحد أبرز الكتاب الهنود، وُلد في كُلكتا على خليج البنغال؛ حيث تبعد فقط بحوالي 100 ميل فقط من سندربان التي تعد أكثر مناطق العالم تأثرًا بالتغيرات المناخية؛ إذ ترتفع المياه المالحة غامرة الأراضي الزراعية ومحوِّلةً تلك الأراضي الى أراضٍ مالحة وقاحلة. ومن المتوقع- حسب خبراء المناخ- أنه في أقل من قرن، سيختفي بالكامل كل المحيط الحيوي لتلك المنطقة.

ورغم أن جوش معروف أكثر كروائي؛ حيث رُشح لجائزة البوكر عن ثلاثيته حول تجارة الأفيون في القرن الثامن عشر بعنوان "بحر من الخشخاش"، إلا أن أزمة المناخ أخذت حيزا مهماً من نشاطه مؤخرا؛ حيث أصدر كتابه الأخير "لعنة جوز الطيب The Nutmeg Curse".

ويتناول المؤلف في هذا الكتاب الأحداث المروعة التي قام بها المستوطنون الاستعماريون الأوروبيون على امتداد آسيا وأمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وأفريقيا. ويتطرق جوش في كتابه إلى كيفية نهب تلك الأراضي منذ مئات السنين والإبادة الممنهجة لسكانها الأصليين، والتي وضعت الأساس لأزمة المناخ اليوم.

لماذا حدثت هذه الأزمة؟

يقول جوش، إنه على مدى قرنين من الزمان مزق المستعرون الأوروبيون جميع أنحاء العالم، ونظروا إلى الطبيعة والأرض على أنها شيء خامل يجب غزوها واستهلاكها بلا حدود، أما السكان الأصليون فهم متوحشون لا قيمة لهم، ومعرفتهم بالطبيعة بدائية يجب محوها. كانت هذه النظرة الاستعلائية الاستعمارية الاستيطانية والهوس بعملية التراكم، والتراكم ومن ثم الاستهلاك، الاستهلاك هي التي أوصلتنا إلى مانحن عليه الآن.

جوش بدأ في تأليف هذا الكتاب مطلع 2020، ولم يكن يدرك حينها أنَّ الأفكار التي كانت تختمر في رأسه أخذت تعبر عن نفسها بشكل دراماتيكي على الواقع؛ إذ فجأة ضربت الجائحة العالم، وكانت مدينة نيويورك- حيث يعيش جوش حاليًا- من المدن الأكثر تأثرًا. ويزعم جوش أن ذلك الحدث كان له تأثير بالغ على سردية الكتاب؛ حيث إن الجائحة هي التعبير الأكثر بلاغة للأزمة البيئة التي تواجه العالم. ويقول في مقابلة مع صحيفة ذا جارديان البريطانية: "أعتقد أن الجائحة أكثر من أي شيء آخر أوضحت أنه لا يمكن لنا الاختباء من هذه الأزمة، فالأموال والقوة والسلطة لا يمكن لهم حمايتنا مما نواجهه، ونحن الآن في قلب العاصفة".

ويضيف جوش أن هناك أجزاء من العالم أصبحت تعترف بحقوق الطبيعة، وأن أصوات غير البشر يتم الاستماع لها، ومن بين هذه البلدان نيوزيلندا مثلاً التي عانت من عنجهية المستعمرين الأوروبيين. غير أنه يستدرك قائلاً إنه من المؤسف أن النخب الحاكمة في العالم الثالث- بما فيها الهند- لا تزال منغمسة ومعجبة بنفس نهج المستعمرين الأوروبيين، الذي يتصف بالجشع والاستهلاك المبالغ فيه والمدمِّر للطبيعة. ويرى أن هذه النخب آمنت بشكل كامل بنموذج التنمية للمستوطنين البيض، ويحاولون الآن فرضه على شعوبهم، وبالذات على السكان الأصليين والمزارعين في المجتمعات القبلية بالذات.

جوش- الذي يشبّه أزمة المناخ الحالية بأزمة الموت الأسود أو الطاعون الذي ساد العالم بين عامي 1346 و1353- ما زال يعتقد أن هناك أملًا في المعركة ضد أزمة المناخ، لكن هذا الأمل لا يعتمد على الشركات العابرة للحدود، ولا على المنظمات الدولية التابعة لليبرالية العالمية، وإنما يعتمد على الحركات الاجتماعية المناهضة لهيمنة نموذج الغرب الاستعماري.

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية