المنظور الثنائي لحل أزمة الأعلاف

 

د. عبدالله باحجاج

هي أزمة مُتصاعدة، ومخاطرها مُتعددة، ومن الوزن الثقيل؛ سواء على مُربي المواشي من جهة، أو على أمننا الغذائي من جهة ثانية، ولا يبدو أنَّ هناك تدخل حكومي عاجل في مستواها حتى الآن، وقد وصلت الأزمة إلى تفاعلات مُتقدمة، وكل من يعتقد أن ارتفاع أسعار الأعلاف يمكن تمريره على المربين بسهولة، فهو يخطئ في تقديره، ويكشف عن جهلٍ بخصوصية أوضاع المُربين، ونظرتهم لثروتهم الحيوانية، ويجهل كذلك إقدام البعض منهم على بيع حيواناتهم، بعضها أو كُلها، حتى قبل أزمة الأعلاف الراهنة، لدفع فواتير الكهرباء والماء، واستحقاقات المعيشة الصعبة.

فهم يتأثرون كبقية أفراد المجتمع بصورة مباشرة وغير مباشرة معًا، من الضرائب ورفع الدعم والتقاعد الإلزامي، وقد جاءت الزيادة في أسعار الأعلاف لتمس جوهر رزقهم الوحيد، ولذا نُقدم هذه الصورة الدرامية بهدف التأثير على القناعات لقبول ما نقترحه من حلٍ وحيدٍ متاحٍ الآن لحل أزمة الأعلاف، وهو تقاسم أعباء الزيادة في أسعار الأعلاف بين الحكومة وشركات الأعلاف، وهذا تضامن إلزامي وواجب وعاجل، تحتمه عدة اعتبارات.

سنركز هنا على اعتبارين جوهريين وحاسمين للتضامن بمحدداته سالفة الذكر: الإلزامي والواجب والعاجل، وبقية الاعتبارات ستدخل ضمن التحليل، وهما:

* دعم الدولة المالي والمعنوي لشركات الأعلاف، وكشف لي مسؤول مطّلع عن 37 مليون ريال دعمت بها الحكومة شركات مزارع النجد، مما يضع هذا واجبا عليها، وحقا للمربين عليها، وقد آن الأوان لاستحقاق الحق، وتنفيذ الواجب.

* انكشاف المصلحة الوطنية العليا للأمن الغذائي العماني بعد جائحة كورونا، ودور المربين في رفد سوقنا العماني من الحيوانات.

وهذان الاعتباران يدفعان الحكومة والشركات إلى تحمل المسؤولية الوطنية لزيادة أسعار الأعلاف الجديدة بصورة تلقائية ورضائية، وذلك حتى تنتهي الظروف التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار التي بعضها يرجع إلى ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية العالمية، كما يقول بعض المختصين، والتي يبدو من خلالها أنَّ هيئة حماية المستهلك تسمح بهذا الارتفاع  في الأعلاف، دون أن تعضد قرارها بالتوصية للحكومة بدعم المزارعين، وهذا طبعًا ليس حلًا وطنيًا، فمن السهولة اتخاذ مثل هذه القرارات، لكننا في مرحلة القرارات المتكاملة الأبعاد، والتكاملية الأدوار، وذات التقدير العالي لكل الخلفيات، فأين دور وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بعد السماح برفع الأسعار؟

بينما تكمن أسباب ارتفاع أسعار الحشائش، كما رصدتُها ميدانيًا في ظفار، فيما يمكن أن  يوصف برحلتي "الشتاء والصيف"، ففي الشتاء حيث تقل الحشائش تلجأ الشركات إلى التقليل من حجم ربطة الأعشاب، ورفع الأسعار، على عكس الصيف دون التقيد بالضوابط القانونية، فلا مساءلة أو محاسبة، فهل تعتقد الشركات أن الاستفراد بالمنفعة لوحدها وقت الأزمات على حساب ظروف المربين، أنه سيكون في صالح استدامتها؟

وهنا، نؤكد أن مخاطر الضرر ستشمل الكل، المربين ومصانع الأعلاف، مما سينعكس سلبًا على مُستقبل الثروة الحيوانية المحلية، فمصانع الأعلاف سوقها الحيوانات، تتوقف عليها مصالح الجانبين، فهذه المصانع ستغلق لأنها تعتمد على سوق الحيوانات الداخلي، بينما سيتضرر المربون نتيجة الغلاء، وقد يلجأ المربون  إلى بدائل أخرى إذا ما وجدوا أنفسهم وحيدين في هذه الأزمة، ولديهم مجموعة خيارات بديلة.

لذلك.. نرى أنَّ حدية العلاقة بينهما ليس في صالح الجانبين، وبالذات شركات الأعلاف الحكومية وتلك التي دعمتها الحكومة من موازنة الدولة، فعليها أن تتحمل القليل من الخسائر حتى لا تفقد سوقها، وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تعود سياسة الدعم الحكومية، إذا ما أردنا تأمين سلة غذائنا، وكل المؤشرات الدولية تؤكد على أهمية تأمين كل دولة سلة غذاءها من الآن، والكل متابع لحجم الأزمات التي ستستهدف غذاء الدول، وكورونا أزمة ليست ببعيدة عنَّا.

وقد أعطتنا هذه الأزمة الأخيرة الكثير من الدروس، لذلك، لن نفرح بعودة تصدير كينيا ماشيتها لبلادنا بعد 16 عامًا من الحظر، لسببين؛ الأول: لأنها ستضر بالمنتج المحلي من جهة، والثاني: لأنَّ الاستيراد قضية محفوفة دائمًا بالمخاطر، ولا يمكن استدامته، ويشكل الاستيراد الآن أحد أوجه القلق للمُربين العُمانيين، وقد جاءت في أوج أزمة الأعلاف، ولا أحد ينكر دور مربي الحيوانات في رفد سوقنا العماني من الحيوانات المحلية في كل الأوقات؛ لذلك يستوجب تدخل الحكومة وشركات الأعلاف لتقاسم أعباء الزيادة  وفق المسوغات سالفة الذكر.

ولولا جهود مربي الحيوانات والمزارعين العاديين، لما شعرنا بالأمن الغذائي عند إغلاق حدود الدول وقت اشتداد أزمة كورونا، وسيكونون أهم مصادر الأمان رغم وجود شركات الأمن الغذائي في بلادنا؛ لأنهم عامل قوة لكسر احتكار هذه الشركات لسلة غذائنا، ولأنهم القوة الديناميكية القادرة على رفد سوقنا العماني باحتياجاته اللازمة في الأوقات المُناسبة، وبالأسعار المتناولة، وتصوروا لو أن سلة غذائنا مُحتَكرة من قبل الشركات الكبيرة، كيف ستكون الأسعار؟!

وحتى المُزارع العادي مثل المُربي، يعاني من مجموعة تحديات وجودية إذا لم تتدخل الحكومة في الوقت المناسب، فسنشهد قريبًا إغلاق مزارع، ومؤشرات الإغلاق قد رصدتها أثناء بحثي الاستقصائي، وسنتناوله في المقال المقبل.

أخيرًا.. أجدد مطالبتي بالشراكة الثنائية بين الحكومة وشركات الأعلاف لتحمل الارتفاع الجديد في أسعار الأعلاف، وإعمال الفكر في المآلات الدولية وحتى الوطنية التي تنتج الفقر، فلا نساهم في توسيع رقعته- أي الفقر- في بنياتنا الاجتماعية، ولنعمل جاهدين في التقليل منه، علمًا بأنَّه حتميٌ في ضوء مجموعة سياسات مالية، فلا نجعل الأزمات العابرة- كأزمة الأعلاف الراهنة- تصنع بنيات دائمة، أو تُحدث احتكاكات جديدة مع شرائح اجتماعية تشعر بالقلق المرتفع على مصدر دخلها.