مُعضلة العصر

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

قد يثير عنوان المقالة استفهام قارئه، عن المغزى الذي ستحمله، وبلا إطالة مقدمات، هي وسائل التواصل الاجتماعي، السلاح ذو الحدين كما يُقال، فبقدر ما تحققه تلك الوسائل من فوائد تتمثل في نقل وتبادل المعرفة، وسرعة وسهولة التواصل البشري، إلا أن سوء تفعيلها، يمكن تصينفها في قائمة المعضلات. فكم من الآثار السلبية التي خلفتها أيادي العابثين بها، وكم من الضحايا التي حصدتها نوايا المغرضين منها.

والمتابع لأكثر وسائل التواصل الاجتماعي رواجًا: مثل واتساب وتويتر، يجد من المهاترات والمشاحنات، ما لم تشهده اللقاءات والجلسات العامة والحضورية؛ سواء أكانت حسابات تُطلق برموز وهمية، أم بأسماء حقيقية. فهناك من المتربصين، ممن لا تفوتهم شاردة ولا واردة، إلا ومنصبين أنفسهم حكامًا، وقضاةً، بعلم أو بجهل. فكم من الأحكام الظالمة التي تُطلق، تجر معها مآسي، وقضايا؛ نتيجة التسرع في الاستجابات، أو الغموض في الإسقاطات.

فعلى سبيل المثال: كأن يتم اقتطاع جزء من مقالة، أو مقطع من مقابلة، ويتم بثها بين المجموعات، أو إعادة التغريدات، أو إنشاء الاقتباسات؛ لأغراض شخصية، أو غايات ترويجية، وأهداف تسويقية، لصالح جهة، مؤسسة، أو حالات انتقامية، فتغدو الحياة بين النَّاس في حروب باردة، فلا الطرف الأول نبي، ولا الثاني ملاك، من الخطأ معصوم.

فكم من النَّاس، وطبيعة البشر النقصان- لا الكمال، قد تصدر عنه هفوات، سهوًا لا قصدًا، جهلًا لا بيانًا، وبالمقابل تجد من يسيل لهم اللعاب، للاصطياد في الماء العكر، أو ممن يكرسون أوقاتهم؛ للاستهزاء بالآخرين. ومما يبعث في النفس الغثيان، أمطارًا من الانتقادات، والتربع على عرش الحوارات، دون تيقن من المصادر، أو تبصر بالحقائق، فتتهاوى السّهام، وتُسلّ السيوف على الضحية كل من منظوره، وثقافته، ومبرراته. فتطلق أبشع التشبيهات، وتظهر أحقر النيّات، فتطال شخص المتنمر عليه، أصله، مرجعيته، وتأهيله. في حين لو تركت مساحة منطقية بين ما يُنشر، وبين الحقيقة، لتبينت للناقدين الحكمة، واتضحت لهم الصورة، مما يجنبهم الوقوع في مهالك الغيبة والريبة والنميمة.

ختامًا.. إنّ الاستخدام الفاعل لوسائل التواصل الاجتماعي، بحكمة وروية، يعكس ثقافة ووعي مستخدميها. فليس من التحضّر أنّ نكون إمَّعة، وليس من الإيمان التهكم على الآخرين؛ حيث وجدت التقنيات الحديثة والأوعية التكنولوجية، كأدوات تساهم في تطوير العلم والمعرفة، ووسائل للتعبير عن الرأي بموضوعية، في إطار من الإتزان الفكري، والطرح المنطقي، بما يجلب للبشرية الخير والاستقرار، ويحقق للمجتمعات النمو والرفاهية.

تعليق عبر الفيس بوك