ولنكن متحدين في الأخلاق

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يقول الشاعر أحمد شوقي "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت // فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، وصلاح أمرك للأخلاق مرجعه، فقوم النفس بالأخلاق تستقم، فإذا أصيب القوم في أخلاقهم، فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا.

نعم.. إذا أصيب القوم في أخلاقهم، فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا؛ بل هي مصيبة وكارثة بعينها، وما ذكره أمير الشعراء شوقي حقيقي وصحيح لا ريب فيه، وهذا الذي يحدث وسيحدث عند إصابة المجتمعات في أخلاقها، فكل شيء ننشد صلاحه ونجاحه وفلاحه، مربوط بصلاح الأخلاق، ولا يحدث أي أمر، ولا يتأتى حدوث أي فعل بانعدام الأخلاق مطلقا.

لهذا حينما قيّض الله تعالى لهذا الكون الإنسان ليكون خليفته فيه، فإنه جلَّ جلاله، جعلنا متجانسين متداخلين غير منفكين، وجعلنا مكملين لبعضنا، أي لا يمكن لأحدنا أن يستغني عن بني جنسه. والإنسان كما عُرف عنه، أنه مدني بطبعه واجتماعي بفطرته، وقد قال الماوردي في ذلك: "اعلم أن الله تعالى لنافذ قدرته وبالغ حكمته، خلق الخلق بتدبيره، وفطرهم بتقديره، فكان من لطيف ما دبر وبديع ما قدر، أن خلقهم محتاجين، وفطرهم عاجزين، ثم جعل الإنسان أكثر حاجة من الحيوان، لأنَّ من الحيوان ما يستقل بنفسه عن جنسه، والإنسان مطبوع على الافتقار إلى جنسه".

وهذا الكلام من حيث القياس والإجماع والتجربة صحيح لا لبس فيه ولا شك، ولهذا فإن صلاح الآدمي مربوط بصلاح محيطه وحدوده، أيا كان هذا الآدمي، وذاك المحيط والحدود.

لذا نجد صلاح الأبناء مثلًا، مربوط أولًا بصلاح الوالدين، ومن ثم الأسرة؛ فالمجتمع والمدرسة، وقد قيل عن الأم وحدها، إنها مدرسة، "إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق".

لذلك لا يستقيم صلاح الناشئة، إلا باكتمال صلاح تلك الأركان والأعمدة التي ذكرت، وأهمها وأولها ومبدأها الوالدان والأسرة، وما لم تكن جميع تلك المفاصل في تساو واحد واتحاد واحد وعمل واحد وفكر واحد ونهج واحد، فإنَّ التربية سيكون بها نقص وخلل، وسيشوبها فساد وفشل، وسيعتريها اضمحلال وتعرٍ وتشوه.

أكتب ذلك وأرمي من خلاله إلى أنه كيف يكون صلاح أبنائنا في مدارسهم، وقبلًا كيف يكونون بالصلاح نفسه في البيت والمدرسة ومجتمعاتهم؟!

لا شك أننا نعلم جميعًا أن عملية التربية لا يمكن أن يقوم بها الوالدان بنفسيهما وبمعزل عن المجتمع وما يتبعه ويسانده، ولا يمكن أن تكون هناك تربية صحيحة قائمة على الأب والأم فقط، فالجار مثلا شريك في التربية، وكذلك الأقارب، والمعلم في مدرسته، والموظف في وظيفته، والعامل في عمله، فالجميع شريك في عملية التربية وفي مسألة التعليم، على اعتبار أن على كل واحد منِّا دور من حيث موقعه وواجبه ومهامه.

إن طلبة المدارس هم أبناء الحي الواحد، وأبناء المكان الواحد، والمنطقة الواحدة، لذا سنجد اختلافاً في تربيتهم وأخلاقهم، وأول من يكون المتهم في فساد الأبناء لأخلاقهم، لا شك هم الوالدان أو أحدهما، وهنا يكمن أصل المشكلة وبيت القصيد، وفي هذا السياق أذكر هنا قولا يقول "إذا كان رب البيت للدف ضاربًا.. فشيمة أهل البيت الرقص والطرب"!

وفي هذا السياق، أود أن أقول كلمة، وهي إنه يشتكي سائقو حافلات نقل الطلاب منذ زمن طويل، من سلوكيات عدد من الطلاب من الجنسين، فمن الطلاب من تجده مثلا فوضويا ولا يحترم من هو أكبر منه، ويقوم بحركات غير سوية، تتمثل في لبسه وكلامه وتعامله مع غيره من الناس أيًا كانوا، وقس على ذلك كل فعل وقول ليس بالطيب ولا بالجميل، تنم جميعها عن عدم تربية ولا عن وجود أخلاق.

وكذا الحال ينطبق على الطالبات، فمنهن من تكون قد قصت شعرها تشبهًا بالذكور، ومنهن من تذهب للمدرسة والقميص ضيق أو قصير، وربما قد صبغت وجهها بأصباغ وألوان عديدة، وملأته بمساحيق مختلفة، ومنهن من انتهج حركات معينة، ومنهن من أدمن العلاقات والتبغ الممضوغ وخلافه، ومنهن من يهرب الهواتف الجوالة ويتحدثن مع الشباب، ومع من ليسوا من الأهل والمحارم، وكذا الحال ينطبق على الطلاب الذكور، وهذا قد نجده في مجتمعات وأوطان كثيرة.

لهذا فإن وزارة التربية والتعليم، تقع عليها مسؤولية كبيرة كونها شريكة في عملية تربية أبنائنا، ولهذا أقول إنه بات مهمًا وضروريًا أن يكون في كل حافلة مشرف ومشرفة، وسيكون عليهم أدوار مختلفة، ومتى ما طُبق هذا الكلام، فإنه ستختفي عادات وسلوكيات وأنماط وأفعال مشينة كثيرة، كانت قد تحدث في الحافلة.

ثانيًا: ضرورة تركيب كاميرات في المدارس تراقب أسوارها من قفز منها ومن دخل، وأين ذهب أو ذهبت، وأي سيارة ركب أو ركبت، وماذا حدث ويحدث في الفسحة وساحات المدرسة وفي الفصول، وبإذن الله بهذه الطريقة ستساعد المدرسة البيت في تربية أبنائه.

يخبرني أحد الإخوة العاملين في المدارس، أنه في يومٍ ما رأى طالبة تخرج من باب المدرسة وتركب مع شخص في سيارته، فمن غيرته ذهب مباشرة وأخبر إدارة المدرسة، ففي اليوم التالي جمعت الإدارة الطالبات، وطلبت منه أن يخرج الطالبة، ولسوء الحظ لم يستطع التعرف عليها لأسباب عدة، منها ربما لم تأتي تلك الطالبة بعد ذاك اليوم للمدرسة.

ومن يومها قال إنِّه لأيام عدة ظل التحقيق قائماً معه، وتمنى لو لم  يذهب ويخبر إدارة المدرسة، وأكد أنه لو رأى هكذا فعل فإنه أفضل له أن يكون أخرسًا وأعمى وأصمًا.

عليه أقول لو كانت هناك كاميرات تراقب المدرسة كلها وإحراماتها وداخلها وخارجها، لكان سهلًا التعرف على ما يحدث، وعلى كل من تسول له نفسه مخالفة القوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة.

حقيقة.. أتمنى أن تجد هذه الملاحظات آذانًا صاغية من وزارة التربية والتعليم، فنحن في زمان ووقت وعصر لا يرحم، فالذي يأتي بعد ذلك أشد من غيره من حيث مشاكله وفتنه وفساده، ولا ننسى أننا نحن أمة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.

تعليق عبر الفيس بوك