الاقتصاد العُماني في عام مزدحم (1)

 

الواقع والمأمول في 2022

 

دكتور أشرف مشرف *

منذ بداية العام المنصرم 2021م، واجه الاقتصاد العُماني العديد من التحديات الاقتصادية والمالية والصحية والاجتماعية الناتجة عن جائحة "كوفيد 19"؛ حيث أثرت هذه الجائحة بالسلب على معظم القطاعات الاقتصادية الرئيسية الرافدة للاقتصاد الوطني؛ مثل: النفط والتصنيع واللوجستيات والسياحة، وانعكاس ذلك على الوضع المالي والائتماني للسلطنة، واضطرارها للاستدانة لسد العجز في ميزان المدفوعات وتلبية الاحتياجات الأساسية للسوق المحلي. ولكن وعلى الرغم من هذه التحديات، استطاع الاقتصاد العُماني تجاوز الأزمة وبدأ في التعافي من خلال سلسلة من الإجراءات التحفيزية والسياسات المالية والنقدية والاقتصادية للحد من الآثار السلبية للجائحة على الاقتصاد والمجتمع. ومن المتوقع أن يحدث الحراك الناتج عن خطط تنمية المحافظات وتفعيل الشراكات الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية والدول الصديقة وجذب الاستثمارات طفرة في الاقتصاد العُماني خلال الفترة المقبلة.

الاقتصاد العُماني في مواجهة جائحة كورونا

يعتبر تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد والمجتمع أبرز ملامح الاقتصاد خلال العام المنصرم، حيث عانت معظم الصناعات والقطاعات الاقتصادية الرئيسية التي ترفد الاقتصاد الوطني من إغلاق الحدود والحد من الحركة أثناء فترات العمل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قطاعات التصنيع واللوجستيات والخدمات والسياحة والزراعة وتجارة التجزئة والخدمات المالية والتأمين والشركات الصغيرة والمتوسطة هي أكثر القطاعات المتضررة من الجائحة.

فقد أدت زيادة عدد الإصابات والوفيات بالفيروس التي وصل إجماليها لأكثر من 310 آلاف حالة و4119 وفاة في 10 يناير 2022 إلى توقف معظم الأنشطة التجارية والإنتاجية وخفض ساعات العمل وتسريح العمالة، مما أدي إلى انخفاض الإنتاجية؛ وبالتالي إيرادات معظم الشركات، مما أثر بالسلب على الناتج المحلي الإجمالي الذي انكمش بمعدل 2.8- في المئة في 2020، ومن المتوقع أن يتعافى تدريجيا ليصل إلى 2.5 في المئة و2.9 في المئة عام 2021 وعام 2022 على التوالي.

وأظهرت الجائحة اعتماد الاقتصاد العُماني بشكل كبير على أسواق النفط العالمية؛ فانخفاض الطلب العالمي على النفط يؤثر بشكل بالغ على الميزانية العامة للدولة نتيجة انخفاض الإيرادات النفطية التي تمثل حوالي 33 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي والبالغ 18.2 مليار ريال عُماني. تشير الاحصائيات أن انخفاض الأنشطة النفطية بنسبة 24.4 في المئة مسجلة 5.8 مليار ريال عُماني عام 2020 قبل ارتفاعها إلى 7.6 مليار ريال في 2021 اضطر الحكومة إلى السحب من الاحتياطيات الأجنبية بالنبك المركزي والاقتراض من أسواق المالية المحلية والدولية، حيث ارتفع الدين العام للسلطنة ليسجل نحو 81 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما أدي إلى تخفيض التصنيف الائتماني للسلطنة من مستقر إلى سالب، قبل قيام مؤسستي فيتش واستندر أند بور بتعديل تصنيف السلطنة إلى مستقر مرة أخرى في ديسمبر 2021.

وظهر تأثير الجائحة على المجتمع العُماني في ارتفاع معدل البطالة الذي سجل 5 في المئة هذا العام. وقد سعت الحكومة إلى مواجهة هذه الظاهرة بعدد من الإجراءات؛ مثل: الضمان الوظيفي ومنظومة الحماية الاجتماعية وفتح المجال للتوظيف في القطاعات التي يمكنها استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل مثل القوات العسكرية وشرطة عُمان السلطانية والوزارات وشركات القطاع العام من أجل تخفيف العبء عن المواطنين.

وظهر التأثير الاقتصادي والاجتماعي للجائحة أيضا في ارتفاع معدلات التضخم بشكل تدريجي؛ حيث ارتفع التضخم من 0.1 في المئة في العام 2019 إلى 3.56 في المئة في نوفمبر 2021. ويشير هذا الارتفاع إلى الأعباء التي يتحملها المستهلك وتكاليف المعيشة المرتفعة نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار السلع والخدمات، خاصة مجموعة النقل بنسبة 9.58 في المئة، ومجموعة التعليم بنسبة 5.10 في المئة، ومجموعة المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 3.42 في المئة، ومجموعة السلع والخدمات المتنوعة بنسبة 3.24 في المئة.

نجاح السياسات المالية والاقتصادية

استطاعت السلطنة مواجهة التحديات الاقتصادية من خلال عدد من السياسات المالية والنقدية، كان أبرزها خطة التحفيز الاقتصادي وخطة التوازن المالي. حيث قام البنك المركزي العُماني بتنفيذ عدة مبادرات لمساعدة البنوك على الاستمرار في تأجيل الأقساط والفوائد لجميع الشركات والأفراد المتأثرين بالجائحة حتى نهاية سبتمبر 2021، والحفاظ على حزم الحوافز الائتمانية؛ مثل: رفع سقف القروض وتسهيل الاقتراض للقطاعات الإنتاجية، وخفض نسبة رأس المال الوقائي من أجل توفير السيولة في السوق المحلي.

 كما قدم البنك المركزي حزمة من الحوافز للبنوك لتسهيل دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث خفض الاحتياطيات العامة المطلوبة من هذه الشركات من 1 في المئة إلى 0.5 في المئة، كما خفض نسبة المخاطرة من 100 في المئة إلى 75 في المئة. شملت الإجراءات أيضا دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال تمديد فترة تأجيل أقساط القروض المستحقة لصندوق الرفد حتى نهاية ديسمبر 2021. كما تم تخفيض ضريبة الدخل من 15 في المئة إلى 12 في المئة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة طبقا للقواعد التي تحددها هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث امتد تطبيق التخفيض الضريبي حتى نهاية عام 2021.

هذا بالإضافة إلى الحوافز الممنوحة ضمن مبادرة وزارة المالية بإعفاء جميع الشركات التي تسجل أنشطتها في قطاعات التنويع الاقتصادي من أول يناير 2021 حتى 31 ديسمبر 2022 من ضريبة الدخل لمدة 5 سنوات من تاريخ التسجيل في السجل التجاري. منحت الحكومة أيضا تخفيض الرسوم البيئية المقرر تجديدها في عام 2021 بنسبة 50 في المئة والتنازل عن عقوبات التراخيص البيئية المنتهية صلاحيتها إذا تم تجديد التصاريح في غضون ثلاث أشهر. هذه الإجراءات ساعدت كثير من الشركات على مواجهة الأثار السلبية للجائحة.

تحسين بيئة وسوق العمل

ركزت السلطنة على تحسين بيئة الأعمال من خلال إزالة العقبات التي تعيق أعمال الشركات وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، حيث يسمح الآن بمنح الإقامة للمستثمرين الأجانب، وتسهيل إجراءات التراخيص لإقامة مشاريعهم. في هذا الإطار، وتسعي وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بمساعدة المستثمرين بتوقيع "اتفاقية خدمة" التي تقدم مزايا وحوافز مثل تسريع الحصول على التراخيص والتصاريح وتملك الأراضي والعقارات اللازمة لكل مشروع استثماري استراتيجي تزيد قيمته عن مليون ريال عُماني من أجل بناء الثقة بين المستثمر والدولة.

واهتمت السلطنة بتطوير سوق العمل، حيث سنت عدة سياسات تهدف إلى زيادة التوظيف وحماية حقوق العمالة الوطنية، حيث قامت السلطنة بتخصيص حوالي 20 مليون ريال عُماني لتدريب الباحثين عن عمل في ميزانية عام 2021، كما خفضت رسوم تصاريح استقدام العمالة الأجنبية، كما هو محدد في المادة 2 من القرار الوزاري رقم 12/2021 الصادر عن وزارة العمل للوظائف العليا والمتوسطة والمهن الفنية والتخصصية بنسبة 50 في المئة للشركات والمؤسسات التي حققت نسبة التعمين، و25 في المئة للشركات المملوكة للعُمانيين والموظفين العُمانيين. وفي مجال التنمية البشرية، تنبت وزارة العمل عدة برامج تشمل التدريب من أجل التوظيف، التدريب المقرون بالتشغيل، التدريب على رأس العمل من أجل تأهيل العُمانيين لشغل الفرص المتاحة في القطاعين العام والخاص. هدفت هذه البرامج التدريبية إلى خلق 17 ألف وظيفة سواء عبر الاحلال في القطاع الحكومي والقطاع العام أو خلق وظائف جديدة جاذبة للشباب العُماني في القطاع الخاص.

 

* رئيس كرسي غرفة تجارة وصناعة عُمان للدراسات الاقتصادية

جامعة السلطان قابوس

تعليق عبر الفيس بوك